الاثنين، 28 نوفمبر 2011

تركي الفيصل: هل زرت السعودية ؟!





كان ردّ الامير تركي الفيصل على الصحفي سام الحسيني رداً يعجّ بالأخطاء و المغالطات التاريخية و السياسية ، و مع ذلك اعتبره البعض بأنه الجم الصحفي حفاظاً على سمعة المملكة. بينما الصحفي سام الحسيني لم يكن من المغرر بهم و لا هو مدعوم من قوى خارجية ، بل هو ناشط حقوقي ضد التمييز العرقي و ضد الحكومة الأمريكية بأحزابها المهيمنة (الديمقراطي و الجمهوري) ، و كان دائماً داعماً للسياسيين المستقلين. بغض النظر عن الفكر السياسي الذي ينتمي له سام الحسيني ، ما يهمني هو سؤاله الذي كاد أن يكلفه حياته المهنية عندما قال: "أي شرعية يمتلكها نظامكم ، غير مليارات الدولارات و عقود الأسلحة؟" ، و هو في نظر الاعلاميين الرسميين سؤلاً مخلاً بالأدب ، بينما صفقات السلاح و الفساد المالي و الاداري و نهب المال العام هي أمور لا علاقة لها بالأدب بل سياسة الدولة الرسمية مع انها سياسة تفتقر للأخلاق الإنسانية و العدالة الاجتماعية. فكان رد تركي الفيصل رداً ناقماً ، حيث طلب منه في بادئ الامر ان يتبادلون الأدوار .. كيف انا الامير و السفير تسألني هذا السؤال الحقوقي الغير لائق؟؟ حيث يريد صاحب السمو و الجلالة ان يطّلع على الأسئلة قبل إلقائها كما هو موجود في وطننا الغالي. و كانت الحنكة الدبلوماسية تقتضي من تركي الفيصل ان يجيب على الصحفي بسؤال ، و ليته لم يسأل ، حيث قال: "هل زرت السعودية؟؟" ، فان المملكة العربية السعودية في مخيّلة الامراء هي مملكة الانسانية ، اما في واقع الفقراء: فهي مهلكة و ليست مملكة. فماذا سيرى سام الحسيني في المملكة؟ هل ستنال اعجابه القصور الفاخرة في بلد يعاني من شحّ الاسكان الذي بلغ الى 70% من المواطنين لا يملكون سكن. او للمدارس المتهالكة في شتى المناطق بل احترقت مدرسة مؤخراً بتقصير من وزارة التعليم؟؟ ام سيرى اضرار سيول جدة التي كشفت عن فساد المقاولين الذين الى الآن لم يتم محاسبتهم بل ان احد المسؤلين تم ترقيته الى وزير! ام سيرى السجون السياسية التي تعجّ بالمنسيين خلف القضبان؟؟ ام سيرى نقاط التفتيش التعسفية ضد المدنيين؟؟ ام سيرى كيف يتم اطلاق النار ضد احتجاجات الحقوقيين المسالمين في المنطقة الشرقية؟؟ ام سيرى السياسة الطائفية التي تنتهجها الدولة في التعامل مع الطائفة الشيعية؟؟ ام سيرى نظام الكفالة الذي يقيّد من حرية العامل بأشدّ القوانين الصارمة التي لا تبالي بحقوق العمال الاجانب؟؟؟ ام سيرى كيف تضطهد المرأة في بلادنا بشتى انواع الظلم و الاضطهاد؟؟؟ بعد كل هذه التساؤلات انا اعتقد بأن تركي الفيصل محظوظ جداً بأن الصحفي سام الحسيني لم يذهب الى السعودية ، بل حتى زيارة السعودية ليست بهذه السهولة الا للشركات و الاستثمارات الاجنبية ، اما الصحفيين فيتم اعتقالهم و تهديدهم عند نشر أي مقال يدعوا لنقد الفساد او حتى الحديث البريء عن الفقر كما حدث مع فراس بقنه.   

واصل تركي الفيصل بعدها الحديث عن المرأة في امريكا ، حيث قال: "متى حصلت المرأة على حقّ التصويت في امريكا؟ بعد 150 سنة ، فهل كانت امريكا لا تحظى بشرعية قبل اعطاء المرأة حقّ التصويت؟؟!!!". استند الفيصل على تحليل غير منطقي للتاريخ ، لسببين: اولا ، لو كان التاريخ يُحسب بهذه الطريقة .. اذن لقد اخطأ الملك فيصل خطأ فادحاً في تحرير العبيد ، لأن بريطانيا لم تحرر العبيد الا بعد مئات السنين من الاستعباد و السعودية تحتاج الى مئات السنين قبل تحريرهم !! يجب ان نتعاطى مع الاشكاليات و الحقوق بموضوعية .. لا نستطيع ان تنتظر قرن و نصف حتى نصل الى معادلة خرافية تتناسب مع تاريخ امريكا .. لأن اذا كانت الامور تسير على هذا النحو .. اذاً امريكا اضطرت ان تنتظر 150 سنة لأعطاء المرأة حق التصويت بينما بريطانيا اخذت مئات السنين قبل اعطاء المرأة حق التصويت و مع ذلك كانت امريكا هي الاسبق لهذا التغيير! ان التاريخ لا يحدث بمعزل عن البشر ، بل ان الانسان هو موضوع التاريخ و هو الذي يصنع الاحداث ، لذلك ان حق التصويت و تحرر العبيد و الثورات ضد الدكتاتورية كلها لا تعتمد على من سبق الآخر و لا على المقارنات البائسة بين الشرق و الغرب و بين امريكا و السعودية ، بل تعتمد على الصراع الطبقي و جاهزية الجماهير الذين صنعوا الحقبة الثورية بدل من انتظار عجلة التاريخ ، فعلى سبيل المثال .. روسيا كانت اكثر تخلفاً من بريطانيا ، و مع ذلك حدثت الثورة البلشفية في روسيا و لم تحدث في بريطانيا ، و هي اول ثورة تعطي المرأة حق المساواة و حق الاجهاض و حق المشاركة السياسية.


نحن اليوم لا نعيش في القرون الوسطى ، بل اتيحت لنا سبل التغيير و التطور بشكل اكبر بكثير من الماضي ، و كل الامثلة التاريخية حتى مثال المرأة الامريكية يثبت لنا بأن المرأة لم تحصل على حق التصويت من خلال برنامج حكومي اصلاحي متطور كما قال مولانا الامير بل من خلال الاحتجاجات الشعبية و المظاهرات و الاضرابات العمالية. من الواضح ان جلالة الامير استخدم المثال الخطأ عندما تحدث عن المرأة في امريكا ، و اخفق حتى في الاجابة على السؤال عندما تحدث عن الاعمال الخيرية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية ، ما فائدة العمل الخيري اذا كانت الدولة تستنزف موارد البلاد في شراء الاسلحة التي لا تُستخدم الا لمكافحة الشعب (لأن تاريخيا لا يوجد شغَب) و ايضاً تستخدم الاسلحة في التدخل في شؤن الدول المجاورة و زعزعة امنها و استقرارها. مالفائدة من وصول المرأة الى مجلس الشورى الذي يفتقر لأدنى صلاحية ، فهو ليس بالمجلس التشريعي و لا هو بالمجلس التنفيذي ، بل ان مجلس الشورى اخفق في تلبية احتياجات الرجال الكادحين فما بالك بتلبية احتياجات المرأة الكادحة. المرأة اليوم تستحق حقوقها كاملة و من دون تأجيل لأنها تساهم في بناء المجتمع و تعاني من القهر و الظلم و الاستبداد.


أن العائلة المالكة التي مارست الاجرام المنظّم عن طريق نهب ثروات و موارد البلاد لا تستحقّ فرصة للأصلاح ، بل ليس من المعقول ان ننتظر المسؤلين عن الازمة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ان يحلّوا الازمة ، بل انا واثق من انهم ابعد ما يكونون عن البحث عن الحلول ، بل هم يحاولون بستمرار ان يتناسوا اشالية الفقر و البطالة و الفساد و الطائفية. الحلّ الامثل يكمن في الاحتجاجات و الحركة الجماهيرية المناهضة للنظام ، اما المجالس البلدية و مجلس الشورى نحن نعرف من تمثّل ، فهي مجالس لا تمثلنا على الاطلاق ، بل تمثّل المرتزقة من المتكسبين من الفساد و الاستغلال. اما الحلول الحقيقية فهي اكثر وضوحاً من اللغة الرسمية التي يستند عليها تركي الفيصل في التعاطي مع المسائل الحقوقية ، حيث ان الاغلبية من سكّان السعودية هم أناس انهكتهم الواجبات الجسيمة و لم يحصلوا على ابسط الحقوق ، بينما الامراء و الاثرياء يحصلون على حقوقهم كاملة لكن لا يقومون بعمل أي شيء سوى استنزاف مواردنا و ثرواتنا التي انتجتها سواعدنا. حيث ان سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع الراحل خلّف ترليون ريال سعودي لأبناءه ، بينما الامير مشعل يملك اكثر من ترليون و مئتين مليار ، و جلالة الملك يتقاضى شهرياً مئة الف ضعف مرتب العامل ، و بعد ذلك يتحدثون عن الاصلاح!!؟؟ لقد تجاوزت الجماهير العربية هذا المصطلح الذي فشل مؤخراً فشلاً ذريعاً ، حيث لا يوجد حقبة ذهبية للأصلاح مثل حقبة الملك عبد الله و مع ذلك لا يوجد ادنى اصلاح حقيقي في حياة الكادحين ، بل كلها قرارات وزارية لا تعني شيء بالنسبة للفقراء. لأن حتى الاصلاح الحقيقي يحتاج الى حركة جماهيرية ترغم السلطة على تنازلات للطبقات الاخرى ، لذلك اقولها بصراحة لمعالي الامير: انتهت اللعبة .. و لن تنجح الاعيبكم في التضليل و وبثّ الاكاذيب عبر وسائل الاعلام ، لأننا الآن نعيش في حقبة مختلفة ، حقبة يسودها احتقان شعبي ، و كلنا غير مؤهلين لتصديق سموكم الكريم !!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق