الخميس، 8 سبتمبر 2011

الوعي الميهمن و الوعي السليم


"إن أي شخص مطّلع على التاريخ يعرف بأن لا وجود لنهضة حضارية بلا ثورة نسائية. إن الطريقة الوحيدة لتقييم أي مجتمع هو عن طريق تقييم الحالة الاجتماعية للجنس الآخر" كارل ماركس

في كل تفاصيل حياتنا اليومية ، من لحظة استيقاظ الإنسان من النوم إلى آخر لحظة من لحظات الروتين اليومي لأفراد الطبقة العاملة ، يتم تلقيننا: ماهو اللباس المناسب , و ماهو السلوك المناسب ، و ما هي الأخلاق المناسبة و ماهي الطريقة المناسبة للعيش ، ماهو مباح و ماهو غير مباح ، وكل هذه السلوكيات تأتي تحت قائمة:"المنطق!". و يعرّف الفيلسوف الايطالي غرامشي المنطق بأنه منطق الطبقة الحاكمة للسيطرة و الهيمنة على المجتمع، عن طريق دعم السلوكيات الرجعية التي تجبرنا عليها الطبقة الحاكمة و عن طريق نشر الخرافة عبر السلطة الدينية و وسائل الاعلام!
فيُقال لنا بأن من المنطق أن تكون المظاهرة و الاحتجاج مُحرّم شرعًا لأنه يجلب الفتن و العياذ بالله ، بينما حقوق الناس لا يوجد منطق يدعمها ، بل يُقال لنا إن من المنطق أن تتزوج طفلة في سن العاشرة ، أو تُطلَّق امرأة من زوجها بسبب نسبها!
و يقال لنا  ان من المنطق أن لا تقود المرأة السيارة ، و ليس من المنطق أن تلبس المرأة ما يناسبها و يناسب شخصيتها !
هذا المنطق المهيمن لا يتوافق مع رغباتنا و احتياجاتنا ، بل إن غرامشي قال: " هناك منطق، وهناك منطق سليم! "
وفي هذا الوعي المتناقض يتشكّل المنطق السليم الرافض للسلوكيات الرجعية التي اعتاد الناس الخضوع لها بدل الثورة عليها!
و يعرّف غرامشي المنطق السليم: "هو الأفكار التي تعبّر عن أحوال الكادحين من تجربة حقيقية..."
و ثورة المنطق السليم لا تأتي عن طريق حيادية المثقفين أو مساهمات النخبة. بل إن رأي غرامشي: "كل الناس مثقفون .. ولكن لا يمارس كل الناس وظيفة المثقف!" وهو رأي شبيه برأي تروتسكي: "بأن كل إنسان فيلسوف" ، لكن احتكار المعرفة هو نتاج لاحتكار السلطة و الثروة - كلها تتم بشكل مبرر و منطقي ، لكن لا تمت بصلة بالمنطق السليم!
يجب أن تعي الطبقة الكادحة ظروفها و تواجه حالتها البائسة عن طريق المؤسسات المدنية و الحركات الثورية ولن تعي المنطق السليم إلا عن طريق التنظيم السياسي و المدني و نقض و نقد معظم الممارسات الاجتماعية لن يأتي على يد كتّاب الصحف الرسمية ، بل سيتم استيعاب المنطق السليم عبر الانضمام للنقابات المستقلة و الاحزاب الثورية !
و مع ذلك ، لا يوجد منطق سليم محايد، و كيفية العثور على هذا المنطق السليم هو مهمّة الكادح في تحدي الظروق الاقتصادية و الاجتماعية التي أُرغم عليها  ، ويوجد أيضا تناقض ملحوظ في وعي بعض الكادحين, فقد تجد إنسان كادح لكنه عنصري ضد المرأة إلا انه ثوري ضد الفساد ، و هذا امر طبيعي ، لانه نتاج تناقض التجربة الفردية الصادقة بأكاذيب الحكومة و الوعي السائد ، و من خلال الحوار في المؤسسات المدنية نستطيع أن نقضي على هذه التناقضات، ومن هنا عبر غرامشي عن ذلك: "الوعي الطبقي يحتاج لـ مؤسسات!". هناك فرق واضح بين المنطق الرديء الذي يتم ترويجه لـ حماية السلطة بدلاً عن حماية الناس و مصالحهم - حيث يتم تحريم الاحتجاج بمظاهرة لحماية السلطان! في حين يتم تلقيننا بأن امرأة يجب أن تُطلق بسبب نسبها ، أو تتزوج قبل سن العاشرة بسبب ظروفها الصعبة! كل هذه الأمور، هي وعي موجود, لكنه وعي رديء ، بينما يتم تسويقه لنا على أنه: منطق ، وهو بالفعل .. المنطق المهيمن بكل بشاعة! الوعي السليم لا يمكن كتابته في نص هنا أو هناك ، بل هو وعي ناتج عن تجربة حقيقية و ردة فعل ضد الظروف القاهرة التي ينتجها النظام المهيمن ، تزداد ثروات الاقلية و يزداد معها فقر الاغلبية - و يالها من علاقة مجحفة!
و على الكادح ان يترجم الوعي من الواقع الذي تتناقض فيه مصالح الطبقات بين طبقة تسيطر على الانتاج و طبقة معزولة و مهمشة عن القرار و الثروة مع انها هي مصدر الثروة. ان الطبقة العاملة بمقدورها تحرير المجتمع من عبودية راس المال لانها هي الطبقة المنتجة لكل احتياجات المجتمع و في نفس الوقت معدمة من الملكيّة والحرية في تقرير مصيرها. المرأة العاملة لعبت تاريخيا دورا مشرفا في حركات التحرر ، و تحدّت الوعي المهيمن عبر المشاركة في التنظيمات العمالية و اللجان الحقوقية و النقابات المستقلة ، و انهارت كل المفاهيم السائدة مع انهيار الانظمة السياسية التي همّشت المرأة و حمّلتها المسؤليات الجسيمة بدون اعطائها اي حقوق ، على المرأة السعودية الاحتجاج ضد الاستبداد و تحدي كل الاوهام و الخرافات الشائعة التي يتم ترويجها لنا من قبل وسائل الاعلام الحكومي والسلطة الدينية التي لا تعبّر عن الدين الحقيقي ، بل تعبّر عن دين يحافظ على مصلحة الطبقة الحاكمة على حساب الطبقة المهمشة. 

كل التقاليد الصلبة تذوب في الهواء ، والعادات تتفتت ؛ والسلطة لن تقوى على التماسك أمام احتياجات الناس!