الثلاثاء، 23 أغسطس 2011

الفقراء

الفصل الاول:

مريم امرأة حبلى في وسط القارة الافريقية ،
هاجرت من زمن الحرب ، من زمن الخوف ، من زمن العشق ... متجهة الى مملكة العدم!
تتوه في الصحراء بأتجاه نخلة ، تسابق الزمن الى ان اتاها المخاض
وصلت الى النخلة فهزتها بعنف:
مريم: آه ... يا الله !
النخلة: ربنا ياحبيبتي اكثر وسامة منا ، والتعامل مع الطبيعة بعنف لايجدي نفعا!
مريم: اريد ماء ، اريد رطبا ... اريد ماااااء!!
النخلة: انتهى موسم الرطب ياعزيزتي ، والماء بأغسطس هو حلم الادباء بالاتوبيا: الحلم المستحيل!
مريم: يا الله ... لا تدعني احتضر!!
النخلة: الاباء في افريقيا مشاكسون يا ابنتي ... فقد اتوا وبأيديهم الانجيل وبأيدينا الارض ، فقالوا - هيا بنا الى الصلاة!
اغمضنا اعيننا ، ثم تفاجأنا بأنهم يمتلكون الارض والانجيل!!! خخخ *
مريم: انه القدر ايتها النخلة ، انه القدر لا الرجال!
النخلة: القدر محتم ، والاحتضار طبيعي!
... فلا تخافي ولا تحزني!

احتضرت مريم اثناء الولادة ، فخرج الطفل مندفعا من بطن امه بأتجاه النخلة!
استغربت النخلة فقالت: المعتاد ان البشر يبكون ، لا شك انه فتى معدوم حتى من البكاء واللغة والهوية!
هجم الطفل معانقا النخلة ...
النخلة: لست امك ايها الشقي!!
دفعها الطفل .. فتوجّعت .. و بعد لحظات سقطت النخلة!!
وسقط القدر في وحل الطبيعة!

في زمن الجوع ، كل الاشياء تسقط ، ابتداءً من الاخلاق وانتهاءً بالامومة!

* Bishop Desmond Tutu


_____________



الفصل الثاني:

ضحك القس بطرس عندما وجد النخلة طريحة ، لكنه سرعان ما انتبه للفتى الصامت!
فقال: امممم ، سآخذك الى الامير ، فأنا لا املك سوى كنيسة يسكنها الجرذان و الفئران الاشقياء!
ثم همس في اذن الطفل كي يجلب له الاطمئنان: لا تقلق يافتى ... لا تقلق ، سنأخذك الى الامير مثل ما اخذنا بقية العبيد الى القصر ،
وسننجح في تنصيرك او ربما نستخدم نظام الاسلمة ، فالامر يعتمد على ديانة الامير ايها الشبل المتعثر في وحل الاديان ...!
وعلى العموم .. تعددت افكارنا يافتى ... وتعددت اساليبنا في تخديرك!!

بعد مسافة طويلة مرورا على اراضي الفلاحين المنكوبة ،
و اسقاطات حضارية في كل حقل من حقول الفلاحين: فكرة تلو فكرة!
وفتيان ، وارامل ، ونخلات طريحة!
التفت القس على الفتى ، ثم قال كلمات مازال صداها يسكن الخراب: حفظ الله لنا ولاة امرنا!
رد الفلاح يهمس همسا لرفاقه: "حفظ الله لنا ولاة امورنا ،
يتبادلون الشرهات
ويقفون على رؤس الاشهاد يمنون علينا بطريق اكله السيل قبل ثلاثة عقود من الزمن!
ولا حرمنا الله سماع الاسطوانة الشهيرة:
(لم يكن هناك مدارس ولا طرقات ولا مستشفيات
ولكن ولاة امرنا بنظرتهم الثاقبة فتحوا مدارس و مستشفيات)
... لن نستسيغ اكل التبن دون ان نسمع هذا الموشح الشجي!"
عاش الفلاحين احرار: لكن هل الحرية تملىء بطون الجائعين؟! *

***

بينما القس بطرس في طريقة الى الامير ، كانوا الجرذان مجتمعين - اجتماع سياسي عاجل!
فقال الجرذ الاول: كلن يصف الفقر بكلمة ، وان ضحكنا شربنا ، وان لم نضحك سخرنا من الساخر ثم شربنا!
فأجابه الجرذ الثاني: انا ابدأ!!
... انا فقير كجرذ تعرض لضريبة باهضة ومن ثم هربت زوجته مع عامل الضرائب!**
اجاب الجرذ الاول: احسنت التوقيت اللعينة !
قال الجرذ الثالث: اراهنكم انها لم تنسى تشليح مؤنتك من الاجبان لهذا العام!
اجاب الجرذ الثاني: بالطبع بالطبع ... فالحياة مسرحية مكررة - كل سيناريوهاتها معروفة!!
صرخ الجرذ الاول: لحظة!! انا اشعر بالجوع كخنزير لا يملك سوى الانتظار ...
سأل الجرذ الثالث: واية انتظار؟؟
اجابة الجرذ الاول: انتظار لحظة قضاء الحاجة ، لانها الاكلة الوحيدة المتوفرة هذه الايام!!!
... شربوا في لحظة سخط وحزن والم: لان الطبقة المتسلطة علمتهم بأن الاحتجاج والاصلاح والتغيير هو استحالة!
فأصبحت مشاكل التخمة ، والادمان ، والعهر - كلها خلل اخلاقي متأصل بالفرد من العامة ، لا علاقة له بفساد السلطة!؟
بينما الجرذان يعلمون الحقيقة احيانا ، ويجوعون لمعرفتها في حين اخر!
فالحقيقة تفتقر للجمال في معظم الاحيان ، لكن اللذة في العثور عليها - كم هو شعور جميل!!***

****

وصل القس بطرس الى الامير ، فتفاجئ الامير الابيض بالطفل الاسود الصامت!
فقال الامير: من هذا ... فلا اكاد ان ارى وجهه في الظلام!
القس: مشكلة يامولانا الامير ، اخشى ان يضيع الطفل في القصر ليلياً !!
الامير: اطمئن ... املك حراس كالكلاب ، سيشمون رائحته المذهلة من بعيد !!
القس: اللهم وحدنا ولا تفتنا ... اللهم اجعلهم كلاب اوفياء!!
الامير: شكرا على دعائك ايها القس الفاضل ، اما الآن فقل لي ... ما اسم الفتى الاسود؟
القس: عسعس !
الامير: هههه ، اسم مناسب للفتى الدميم!
اذهب ايها القس ، وليكن بيننا لقاء في الغد ...!

اختفى القس في ظلمة الليل ، وتخبؤا الجرذان في ثقوب الكنيسة ، وبقي الامير مبتهجا كأله خانه التعبير والتدبير!
... لكن للسلطة في خلقها شؤن!

_______

* عبدالله القرني ،
** مستر بن - بلاك ادر!
***Nadine Gordimer

الجمعة، 19 أغسطس 2011

تأملات في ثورة مصر



"Rulers who neither see, nor feel, nor know" – Shelly
"حكّام لا يبصرون ، لا يشعرون ، و لا يفهمون" – شيللي
الظروف الثوريّة:

عندما ندرس الثورة المصريّة و الثورات السابقة سنجد أن هناك ظروف ثورية تتكرر باستمرار، وهذا ما تحدث عنه لينين عندما قال:
·         أزمة قويّة تجتاح المجتمع ، وهذه الأزمة هي اجتماعية و سياسية و اقتصادية يتحمّل تكاليفها الطبقة الكادحة!
·         الشعب عموما والطبقة العاملة بالذات تبدي عدم الاستعداد في أنها تستمرّ على نفس الروتين القمعي القديم!
·         الطبقة الحاكمة تفقد الثقة في السيطرة على الأوضاع الراهنة ولا تستطيع أن تستمرّ بنفس الطريقة القديمة!
·         فقدان الثقة في السيطرة يتسبب في تمزّق وتفكك مؤسسات الطبقة الحاكمة من شرطة و جيش و مخابرات.
·         حزب ثوري يتحدى الدعاية الحكومية و يثير غضب الجماهير و يأججهم ضد الطبقة الحاكمة.

نظرية الثورة:
أن الثورة دائما ما تحدث كحدوث الشيء من العدم ، و يصفّق بعض المتعاطفين: "أخيرا تحرّك الشعب ، أخيرا ثاروا المصريين على الدكتاتور" ، بينما في الحقيقة إن الثورة ليست مجرّد نتيجة لحادثة واحدة كمقتل خالد سعيد أو ثورة تونس ، بل هي نتيجة تطوّرات و تغيّرات تحدث عبر فترة طويلة ، و لا احد يمكنه أن يتوقّع لحظة حدوث الثورة ، إلا أن لها أسباب اقتصاديّة و سياسية لا يمكن إن نتجاهلها. أن الأسباب التي أدت إلى حدوث ثورة مصر هو ما بين أحداث ثورة 77 إلى إضرابات المحلّة و كسر الحصار على رفح و مقتل خالد سعيد و ثورة تونس ، كل هذه التضحيات التي قامت بها الطبقة الكادحة لا يمكن أن نتجاهلها في هذا الزمن الثوري.
أن الثورة تحدث بعد تراكم الجرائم و الأزمات التي يتسبب فيها حفنة من رجال الأعمال و البيروقراطيين من الطبقة الحاكمة التي يرأسها الحاكم بنفسه ، فالنظام التراكمي لا يُحدث تغييراً فورياً ، فلم يثور الشعب المصري بعد تزوير الانتخابات المصريّة مباشرة ، بل ثار بعد تراكم عدة أحداث أخرى قبل و بعد حادثة التزوير ، فالتراكم في الكمّ يُحدث تغييراً في النوع ، و هذا شبيه بغليان الماء ، عندما تزداد حرارة الماء من نسبة 40 درجة إلى 60 درجة لا يتغيّر الماء كلياً ، بل يبدوا و كأنه لم يتغيّر إطلاقا ، و يستمرّ في التراكم بلا تغيير جذري في النوع بل مجرد تراكم في الكمّ ، لكن عندما يصل إلى 100 درجة فالتغيير الكمي حينها يُحدث تغييراً في النوع ، فيتغيّر الماء إلى غاز ، و هكذا يحدث بالضبط مع المجتمعات ، فهي تتغيّر نوعيا مع تراكم الأحداث و الاحتجاجات و حينها تفقد السيطرة الطبقة الحاكمة على الحكم ، و هنا يأتي دور الطبقة الكادحة في قيادة المجتمع و تغييره و نسف الطبقيّة و إنهاء الاستغلال و الظلم و الطغيان.
أن النخب لا تملك القدرة على إشعال الثورات ، بل ربما تستطيع أن تغيّر وجهتها أو تختطفها في مرحلة لاحقة ، لكن الثورات هي تمرّد الجماهير و ليس تمرّد النخب ، مع أن التنظيمات من نقابات و أحزاب ثوريّة تساعد على تنظيم و قيادة الثورة و توجيهها إذا كانت تملك منهجيّة و قيادة فاعلة. ومع ذلك، لا يمكن أن نحتكر الثورة في دين معيّن أو مذهب معيّن أو نخبة معيّنة، بل هي ثورة الفقراء و العمال و الطلاّب على الطغيان و الاستبداد. ويجب أن تحافظ على استقلاليتها من كلّ التيّارات الإصلاحية التي تتعارض مع أبجديات الثورة. إن الثورة لا تغيّر المجتمع المادي فقط، بل تغيّر الثوّار الذين غيّروا حياتهم و تغيرت أفكارهم و مفاهيمهم و طوّروا وعيهم السياسي و زادت ثقتهم في أنفسهم، أن الثورة تغيّر الثائرين من طلاب شباب و عمال و عاطلين.. هؤلاء يتطور تفكيرهم ، و أيضا الثورة لا تُسقط الأنظمة فحسب ، بل أيضا تُسقط الكثير من الأوهام التي اعتدنا على تصديقها ، فهي أيضا تُسقط أفكار الطبقة الحاكمة و مثقفيها.



تطوّرات الثورة المصريّة:

ومن المثير أن المجتمعات تبدوا و كأنها في حالة استقرار دائم ، لكن هذا لا يعني أن الناس يعيشون في حالة من السعادة الدائمة و المتعة الأزلية ، بل إن الحكّام يعيشون وهم السياسي المحبوب من قبل الشعب ، لأنهم يعيشون في حالة ثراء فاحش و امتيازات استثنائية تحجب رؤيتهم عن حقائق الاستعباد و الاستبداد ، فثروة حسني مبارك قد تصل إلى 70 مليار ، مما يجعله من أثرى الشخصيات العالمية ، وهناك 100 أسرة مصرية برجوازية تمتلك 90% من ثروات الشعب المصري عن طريق الاحتكار و الخصخصة و النهب المباشر للثروات و فائض القيمة وتحالف السلطة مع رؤوس الأموال ، فهؤلاء هم المسؤلين عن الفقر و البطالة التي أنهكت البلاد و العباد ، و ليس حسني مبارك هو السؤل الأوحد. في حين إن هناك نسبة كبيرة من الشعب المصري يعيش ما بين السطوح و المقابر، هل هذا شيء طبيعي؟؟ هل هذه حياة طبيعية؟! إذا كان الجوع و الفقر هو أمر طبيعي فلماذا لا يجتاح قصور الحكّام كما يجتاح مساكن الفقراء الذين أنهكهم الجوع و الفقر؟؟ وهل "المصاري قشطت لحاله" كما غنى زياد الرحباني في أغنية شو هالايام ؟! لا يكفي أن ينتقد الثوري التسلط و الاستبداد و الاستغلال ، بل يجب عليه أن يتوصّل إلى حقيقة العلاقة الغير عادلة بين الحاكم و المحكوم ، بين العامل و ربّ العمل ، بين الشعب و الحكومة – ويجب أن ننتقد هذه العلاقة الظالمة و الثورة ضدها و استبدالها بأنظمة عادلة ، فكما ورد في أغنية الانترناشونال: "لا واجبات من دون حقوق ، و لا حقوق من دون واجبات" ، الذين يعملون يحتاجون حقوقهم الكاملة من العمل الآن ، والذين ينهبون حقّ الجميع لا يستحقون إلا واجبات من الأعمال الشاقّة !!

أما من حيث الثقافة ، فأن الطبقة الحاكمة تختار مجموعة من الاستشاريين المثقفين الذين لا يخبرونهم إلا بما يلاطف و يجذب أذانهم ، لأن النخب المثقفة التي تختارها السلطات ليست مشغولة في البحث و التنظير بخصوص تغيير المجتمع للأفضل ، بل إن أولوية مثقف السلطة هي المحافظة على النظام القائم – الذي يعتبر في نظرهم: نظام مبني على الاستقرار و الازدهار الاقتصادي. أما عن وعي الطبقة الحاكمة فلا يمكن أن يعبّر عنه احد مثل تعبير الشاعر شيللي في نقده ضد الملك جورج: "هرم ، مجنون ، اعمي ، و حقير .. ملك يوشك على الموت" إلى أن قال: "حكّام لا يبصرون، لا يشعرون، ولا يفهمون! " ، وهذا يجسّد الطابع القيادي في هذه المجتمعات – مجموعة من المجرمين الجهلة و المجانين تثقل كاهلهم الشيخوخة و مع ذلك متمسّكين بكراسي الحكم كـ اله متمسّك بملكوت السموات و الأرض مع وجود أزمات طبيعية في كلّ مكان * ، فلن يتعلّم الحكّام العرب من التجربة التونسية و التجربة المصرية ، بل على العكس ، ستحاول النخب المثقّفة في إقناع الشعوب و الساسة بأن كل مجتمع له خصوصيته ، فلا يمكن مقارنة الخليج مع ما يحدث في شمال إفريقيا على سبيل المثال ، و بعدها سيتم الحديث عن آخر الإحصائيات بخصوص دعم التعليم و قطاع الصحّة في البلاد ، في حين أن 70% من سكّان الخليج لا يملك منزل ، و المدارس آيلة للسقوط ، و القطاع الصحي يتسكّع فيه المرضى في اسياب المستشفيات و قائمة انتظار تُنْهك المرضى حتى الموت. فهذا هو ما نحتاجه في المرحلة الحاليّة ، التصدّي لدعاية السلطة و مثقفيها ، و تأجيج غضب الشعوب ضد الاستغلال و التسلّط الموجود في المنطقة ، والاستفادة من التجارب الثورية في تونس و مصر.


تاريخ الثورات:

أن  التجربة التاريخية التي خاضتها الشعوب تشير بأن الثورة تبدأ كنصف ثورة ، يتناقض فيها الجديد مع القديم ، و هذا بالضبط ما حدث في روسيا عام 1917 و ما يحدث الآن في مصر ، فعندما رجع لينن من سويسرا قام احد المناشفة اليمينيين وأعطى لينن باقة من الورد و قال له: "باسم الثورة الروسية المنتصرة أرحب فيك يا لينن" ، رمى لينن الورد و صرخ أمام حشد من الناس: "أي انتصار تتحدثون عنه؟! صحيح إننا أسقطنا القيصر ، كما اسقطوا الفرنسيين الملك عام 1792 ، لكن الرأسماليين مازالوا يملكون المصانع ، و اللوردات مازالوا يملكون الأراضي ، والحرب الامبرياليّة مازالت قائمة ،
فلتسقط الحكومة المؤقتة!!!
فلتسقط الحرب الامبريالية !!
نريد الأرض والخبز و السلام!!"
كان يعلم لينن بأن الحكومة المؤقتة اليمينية تحاول أن تحقق مكاسب سياسية على حساب الشعب و تحاول أن تحافظ على نفوذ بعض من بقايا النظام القديم من تجّار و مسؤلين كبار لهم نفوذ في بيروقراطية القياصرة ، لذا انتقد نصف الثورة و أكد لينن بأنها ليست كافية ، ونجح في هذا الطرح بعد عدة اشهر من الاحتجاجات و الإضرابات و تحوّلت الثورة الروسية من نصف ثورة إلى ثورة كاملة ، و كان لينن دائما ما يستشهد بأحد الثوّار الفرنسيين عندما قال: "أن من يرضى بنصف الثورة كأنما يحفر قبره بيديه" ، وهو بالفعل ، هناك خطورة كبيرة من بقاء بعض الأمراء و التجّار الروس و سيطرتهم على الشعب الثائر و إجهاض كل معالم الثورة و مبادئها و مطالبها. وهذا أيضا يحدث مع الثوّار المصريين و عمر سليمان الذي ينتمي إلى بيروقراطية النظام القديم ، بل و الأسوأ من ذلك أن عمر سليمان هو مسؤل سابق في الاستخبارات المصرية المسؤلة عن الاعتقالات المنظمة و السجون السياسية و التعذيب و المحاكمات العسكرية ، هو نفسه عمر سليمان الشخص الذي فاوض الإسرائيليين  ، فمالذي ننتظر من هذه الحكومة المؤقتة التي لا تخدم إلا مصالح أمريكا و إسرائيل في المنطقة؟! – وكان وعي الثوّار المصريين متقدما أكثر مما توقعت ، في حين أن لينن قضى عدة اشهر يقنع الحزب البلشفي الثوري أن يرفض مشروع الدولة المؤقتة ، بينما المصريين انتقدوا الحكومة المؤقتة بشكل مباشر ، مع أن لا احد ينكر بأن خطاب الرئيس مبارك هو خطاب مدمّر من الناحية النفسية تم صياغته من قبل احد الخبراء النفسيين الذين يلجؤن لهذه التكتيكات لتخدير الشعوب و القضاء على ثورتها.

أن الثوّار المصريين يجب أن يتحدوا النظام الحالي ، و يجب أن يحافظوا على مطالبهم و أن لا يقدّموا تنازلات ، لان تاريخ الثورات حافل بالهزائم التي نتجت عن القبول بتنازلات ، وهذا بالضبط ما حدث في العراق في الخمسينات ، عندما قبل الشعب بحكومة بعثيّة بديلة عن الملكيّة بعد أن تنازل الحزب الشيوعي عن أفكاره الثورية كي ينخرط مع حزب البعث وفي السلطة ومن هناك يغيّر التشريعات و يدافع عن الطبقة الكادحة ، مع العلم بأن الحزب الشيوعي العراقي كان اكبر حزب شيوعي في المنطقة ، إلا أن هذه التنازلات أدت إلى اعتقالات و أنظمة قمعية صارمة و استغلال مخيف على يد صدام حسين و البرجوازية العراقية التي دافع عنها حزب البعث. و حدث ذلك في اندونيسيا عام 1949 عندما تحررت من الاستعمار الهولندي ، كان قائد الثورة الاندونيسية حينها هو احمد سكارنو الذي يعتبر برجوازي قومي ، و طرح طرحا مغايرا لصدام حسين ، حيث طالب بالوحدة الوطنيّة و اندمج الثوّار تحت هذا المسمّى و قدموا تنازلات و قبلوا بهذا النظام الجديد ، وبعدها اكرر هذه العبرة الثوريّة: "أن من يرضى بنصف الثورة كأنما يحفر قبره بيديه" ، تم قتل مليون شخص من قبل الحاكم (1950 – 1965)  ، و نفس هذه التنازلات تتكرر في تاريخ أنصاف الثورات في ثورة إيران على سبيل المثال عندما تنازل الثوار عن مطالبهم كي يندمجوا مع حكومة الخميني التي أعطتهم وعودا بالديمقراطية ، بينما فالحقيقة هي ليست ديمقراطية عمالية بل شبه ديمقراطية برجوازية بدائية!! – حينها تمّ تصفية الكثير من القياديين الثوريين على يد الخميني. وأيضا ما حدث في مصر عام 1919 عندما دعم حزب الوفد الذي يمثّل الإقطاعيين الساخطين على الاستعمار الانتفاضة ضد الاستعمار البريطاني ، حينها انتشرت المظاهرات و الإضرابات و بدءا الثوّار يطالبون بإصلاحات سياسية حقيقة ، حينها شعر حزب الوفد بأن هذه الثورة ليست مجرد ثورة ضد الاستعمار بل هي أيضا ثورة ضد مصالح الطبقة الإقطاعية ، فلوّح حزب الوفد بشعار التفاوض و تم تأجيل مسالة التحرر من الانجليز إلى ثلاثين سنة قادمة من الاستغلال و التسلط و الاستعمار ، مع العلم بأن الثورة المصرية حققت أكثر الدساتير تقدما في تاريخ مصر إلا إنها لم تحقق أهدافها: إنهاء الفقر و إنهاء الاستعمار و الحصول على ملكيّة الأرض التي يتم احتكارها على يد أقلية تستعبد الأغلبية. 


مالعمل؟!

هناك عدة محاور طرحها حسن خليل، هذه المحاور ضروريّة جدا لإنقاذ الثورة:

1 – دعوة العمال و الموظفين خصوصا في القطاعات الأكثر تأثيرا إلي الانضمام للثورة. مثلا عمال البترول و قناة السويس و المراقبين الجويين و الموظفين الدبلوماسيين الخ. يجب أن يتوجه الثوار إلي هذه القطاعات كي تنحاز للثورة. فعلي الثوار مخاطبة هذه القوي مباشرة.
2 – استثمار التضامن العالمي الواسع مع الثورة في الدول العربية و أوروبا و خاصة فرنسا و أمريكا. و استثمار الجاليات المصرية الضخمة في تلك الدول المؤيدة للثورة بدعوتها إلي الضغط علي حكوماتها و رفع الشرعية الدولية عن نظام مبارك و سفارته و بعثاته الدبلوماسية الخ. و كذلك الحركة النقابية العالمية مطالبتها بالمشاركة في رفع الشرعية عن نظام مبارك. و هذا من خلال مخاطبة هذه الجهات مباشرة و بوضوح
3 – شن حملة إعلامية واسعة هدفها توضيح مكتسبات الثورة حني الآن – انتهاء التوريث و التمديد بدء محاكمة الوزراء الخ- و توضيح خطط النظام و خطط الثوار. و هذه الحملة الإعلامية يجب أن تدار بشكل واعي و تصل إلي كل بيت بما فيها أن يصدر الثوار بيانات كل ساعة عن تطور الثورة و يتحول ذراعهم الإعلامي – الذي يجب أن يكون له أسما ما – إلي لاعب أساسي في الأعلام عن الثورة.
4        خلق كيان سياسي جماهيري ضخم يضم كل القوى الفاعلة في الثورة و يضم الجماهير و يكون هذا الكيان هو المنوط به قيادة الثورة


الخلاصة:
لا تكفي المظاهرات و الاعتصام ، بل يجب أن تتوسّع الثورة إلى إضرابات تهزّ كيان الدولة و كيان الطبقة البرجوازية الشريكة في جرائم السلطة ، يجب أن تتوسّع دائرة الصراع إلى إضرابات في السويس و المحلّة و حلوان و السكك الحديدية و القطاع الجوي وقطاع البترول، بل ربما في هذا الزمن الثوري يجب أن نفكّر جديا في احتلال المصانع و المؤسسات التجارية و الحكومية على يد الطبقة العاملة. نحن الآن في بداية الطريق ، و يجب أن نحذر من الجيش ، لان هناك فارق بين الجنود الفقراء و بين المسؤلين العسكريين حلفاء مبارك و عمر سليمان ، و لا ننسى بأن الجيش موجود للدفاع عن السلطة لا عن الشعب ، و كذلك الشرطة و المخابرات ، فكيف تم قتل خالد سعيد؟؟ على أيدي رجال الأمن الذين وعدونا بالأمن و الأمان و هاهم الآن يصفوننا بالفوضى، وهل هناك فوضى اكبر من المعتقلات السياسية و التعذيب و المحاكمات العسكرية و دهس المتظاهرين بالسيارات و رميهم بالرصاص؟! ومع كل ذلك ، أن ما جرى في مصر لهو انجاز نادر ، فالشعب المصري الأعزل خاض مواجهة دامية مع رجال الشرطة ، ضحى بكل شجاعة ، فنحن اليوم لا نملك إلا القيود يا مبارك ، و لن يثني عزم الشعب المصري هذه المفاوضات ، بل "لا للمفاوضات مع السلطة ، نعم للرحيل!!!" ، وشاهدنا الهتافات في المظاهرات: "يسقط مبارك وسليمان .. يسقط يسقط الطغيان!!" ، و هذه العفوية في الاحتجاج هي من أجمل المشاهد النضالية و أنقاها ، إلا أن يجب علينا أن نوسّع دائرة الصراع و يجب أن تتدخّل النقابات بصورة اقوي و أن تتدخل الأحزاب الثوريّة بشكل فوري ، و أيضا يجب أن نطالب بإنشاء مجالس و لجان شعبيّة تنظّم الشعب و هنا تدعوا الغير مشتغل فالسياسة قبل المشتغل فيها و تكون هذه الكيانات تمثّل الشعب و تحمي الثورة ، كما يحدث في اللجان الشعبية التي تحمي الإحياء السكنيّة من بلطجيّة النظام.

 07\02\2011




إتحاد العمّال في المركز المالي

إنّ ما حدث في الأيام الماضية غيّر حياة العمّال للأبد ، للمرة الأولى منذ بداية المشروع بدأ العمّال في المركز المالي ينظّمون إضرابات و يطالبون بحقوقهم ، أصبح للعامل صوت و رأي و مطالب و أصبح المالك و الإداري في المشروع يحسب للعامل ألف حساب ، و بدأ العامل يتوصّل لتلك الحقيقة: إنّ هؤلاء الأوغاد لن يعطوا العمّال حقوقهم ، لأن الحقوق لا تُعطى بالرضا ، بل تؤخذ عبر الاحتجاجات و الإضرابات العمالية ، أين هؤلاء الإداريين و الملاك من معانات العمّال خلال السنوات الماضية ..؟! كانوا مشغولين بجمع الثروات و الحصول على الامتيازات فيما كان العمّال يعيشون حالة غير صالحة للمعيشة في مساكن ليست مهيأة للسكن ، 8 أشخاص يُحشرون في غرف صغيرة جدا و لكل 10 أشخاص حمّام واحد ، هذا لا يحدث حتى في أكثر الدول تخلّفاً ، ماء الشرب في الموقع مليء بالجراثيم و الطحالب و غير صالح للشرب ، و بدلات العمال متأخرة مثل تذاكر السفر و غيرها من الأمور المذكورة في عقود العمّال ، و أيضا الرواتب و الأجور المتأخرة و الزهيدة حيث ارتفعت كل الأسعار و كل التكاليف منذ عشرات السنين و مع ذلك لم تتغيّر مرتبات العمّال ، لكن آن الأوان أن يتوقفوا عن استغلالنا و أن يعيدوا لنا اعتبارنا كطبقة عاملة موحدة لها مطالب و حقوق يجب أن تُلبّى فوراً. هناك عدة استنتاجات من أحداث الإضرابات العمالية في المركز المالي:
-         لن يحصل العمّال على مطالبهم إلا عبر الإضرابات و الاحتجاجات ، هذا هو الحل الوحيد!
-         انقلاب موازين القوى بين العمّال و الملّاك ، عندما توقفوا العمال عن العمل توقّف المشروع ، توقّفت الحياة ، توقّف كل شيء ، لان العمل هو مصدر الثروة ، و بدون عمل لا يوجد شيء ، لا يوجد مجتمع ، لا يوجد حديد ، لا يوجد بناء ، لذا فأن العمّال قادرون على إيقاف الرأسماليين و التغلّب عليهم ، لأنهم يمثلون القوى المنتجة في المجتمع!
-         لا يكفي أن يطالب العامل برفع المرتب ، بل يجب عليه أن يطالب بالحقوق الاجتماعية و السياسية ، فالعامل كفرد له الحقّ في العدالة الاجتماعية ، لذا يجب عليه أن يطالب بالمساواة ، و يجب عليه أن يطالب مكتب العمل بوضع حدّ أدنى للرواتب ، حيث إن مرتبات بعض العمال تصل إلى 700 ريال و هذا أمر غير مقبول.
-         أن ما حدث في الإضرابات يبرهن على إن يد واحدة لا تصفّق و أن التغيير هو شيء ممكن و لم يعد مستحيلا ، لانّ التغيير و الحصول على الحقوق هو نتيجة التحّرك بشكل جماعي في مواجهة المؤسسات الرأسمالية التي تضطهد العمال وتستغلهم عبر الروتين القمعي ، يجب على العمّال أن يوسّعوا الصراع للمطالبة بحق التعليم و حق العلاج و حق حرية التعبير و حق التنظيم عبر نقابات و حقّ المواطنة وإلغاء الكفيل ، الصراع لن ينتهي عند هذا الحد ويجب ان لا ينتهي في حدود هذا المجتمع ، بل يجب أن نغيّر المجتمع بالكامل!
أيها العمّال إن هذا المشروع هو بقيمة 100 مليار ريال فإن كل المزاعم بخصوص عدم وجود الأموال هي مزاعم باطلة ، ولن يحصل العمّال على حقوقهم إلا إذا اتحدوا في مواجهة الاستغلال و الثورة على الرأسمالية ، ويجب علينا أن نتذكّر بأن التنازلات هي السبيل لإجهاض الثورات و الاتحاد و المقاومة هو السبيل الوحيد للحصول على عالم أفضل. "يا عمّال العالم اتحدوا – فلا نملك شيء لنخسره سوى القيود!!!"

Workers Strikes in King Abdulla Financial District in Riyadh




I went last Thursday  to my workplace, and I found out that there were over 3000 workers demanding their rights before they called a general strike in the construction site in Saudi Binladin Group. The workers were very angry, there workplace is one of the largest construction project in the country, which worth SR.100 billion. However, they live in a terrible conditions, one of the workers was telling me how he was living: "I live in a room 4m x 3m with 8 people, and for every 10 people there is only one toilet". Another Egyptian worker was telling me about the working conditions and the restriction of religious freedom: "those are Zionists, they don’t even allow me to pray on time!!", and another worker was speaking about the water at the site, which is infected and full of filth and insects: "the managers wouldn’t even wash their hands with it, but for us we have to drink it because it is the only drinking water at the site". The others talked about the delayed salaries and the unpaid overtime: "can you believe that some of the workers here are paid only 700 riyals a month, and I am paid 1000 riyal, how would we survive??".

They couldn’t continue in the old way, they organized themselves and decided to do a demonstration at the site, to demand their rights immediately. It was the most interesting scene that I have witnessed in my life, when a group of coordinators and security guards tried to persuade them to go back to work the workers replied by smacking the walls with their hats and they shouted: "we demand food, money and accommodation – we need to be respected!!", all the managers,  for the first time since the start of the project 4 years ago, took the workers seriously.

The police force which had an oppressive role in this society couldn’t control the workers, when one of the police officers told the workers that they need to return to their accommodation and their issue will be solved later, the workers replied by throwing stones at him, and they managed to frighten all the police officers around him. Unfortunately, the stones missed the police officer, but it did not miss his car! It was the first time in my life I saw a police car smashed by the workers in Saudi Arabia.

When several coordinators, sent by the managers, tried to promise the workers for change, I and several socialist we were pushing for the occupation of the construction site, but that did not happen yet. However, when one of coordinators said: "we will give you a new accommodation with a football pitch", one of the workers replied: "how would we play football after 13 hours of work with an unpaid overtime?!" , then the coordinators promised that every worker will be paid after 5 days, someone replied: "what would we do with todays bread after 5 days, we need it now, we are sick of excuses, a billionaire cannot pay his workers today??!!"

  In the end, the owner promised the workers that they will pay them on Saturday – which is after two days – the workers went back, and on Saturday they received an extra SR. 500 on top of their salary and the owners promised them that they will improve their accommodation and they will pay them 100 hour for their overtime each month. The workers started to organized with a sister company which belong to the same owners to start a new wave of strikes in different parts of the construction site.  Through this week, there were several strike actions in King Fahad Library and in a construction sites in King Saud University.


 

24.02.2011


زياد الرحباني: شو هالايام



شو هالإيام اللي وصلنالا
قال إنو غني عم يعطي فقير
كأنو المصاري قشطت لحالها
ع هيدا نتفة و هيدا كتير
حلوة دي بتعجن في الفجرية

بيقولوا لك من عرق جبينو
طلّع مصاري هالإنسان
طيب كيف هيدا و كيف ملايينو
و ما مرة شايفينو عرقان
مش صحيح الهوا غلاب

كل المصاري اللي مضبوبة
ليه ما بتنعد و ما بتنقاس
أصلها من جياب الناس مسحوبة
و لازم ترجع أجياب الناس
هي دي
هي دي هي الأصلية

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

شبح الموت في القرن الواحد و عشرين - اهداء الى هديل الحضيف







المشهد الاول: غيبوبة

هَمَسَت الى الاجهزة ، همست متهكمة: عندما اصحوا سأتغلب على الغيبوبة الحقيقية!
غيبوبة الادعية التقليدية!!
غيبوبة المصطلحات المكررة .. والسخافات الاجتماعية!
انتم ياسادة ... ضحية غيبوبة !
فلا بكائكم ينفعني ، ولا ادعيتكم تنقذني ، ولا يقضتكم تفيدني!
فبحق الالهة ... من منا في غيبوبة!؟

_______________________


المشهد الثاني: اضراب عزرائيل عن العمل!
الملائكة بين التفكير والروتين ...
ينحني عزرائيل في لحظة انكسار ، ويتامل البشرية في ذهول!
فيباغته جبريل من الخلف: زوزو! ماذا تنتظر؟؟
عزرائيل: جوجو .. انا ملَك لا آلة من آلاتك ، عليّ ان اتأمل اوضاعي المعيشيّة في المجتمع الراسمالي!!
جبريل: تأخرنا ، الى متى ننتظر؟ فـ البيق بوص ينتظرنا ، يجب ان نأخذ روحها و نغادر!
عزرائيل: امنحني الوقت للصلاة على روحها ، وامنحها الوقت للأستفاقة ، فمن يدري يا جوجو .. ربما تستيقض بعد لحظات!
جبريل: فعلاً انك متخلف يا زوزو ... دع الصلاة بعد ان تأخذ روحها ، مالذي يحدث؟! الا تعمل بأمر ربك كحال الملائكة!
عزرائيل: من المفترض ان اعمل بلا تردد ، ولكن عندما اتقاضى مرتب اقل من المعدل القانوني .. هنا علي ان افكر!
من حق الملائكة مسائلة الرب ، كمسائلة أي عامل آخر لـ ارباب العمل!
جبريل: عليك اللعنة يازوزو ، اصبحت ماركسي بين ليلة وضحاها!؟ ماهي فكرتك القادمة ، ان تثور كما ثار ابليس مثلاً؟؟؟
عزرائيل: يجب ان نثور ، لا كـ ثورة ابليس الخياليّة التي لم يشهد على وجودها الا قلّة من العميان و الطرشان ،
انما يجب ان نثور على نُظمْ الاستغلال و طبائع الاستعباد!
جبريل: اها ، فماهو مشروعك؟!
عزرائيل: مشروعي .. ببساطة: استرداد القوة والمال والسلطة من الطبقة العليا الى مستحقيها من الطبقة السفلى!
ومن هنا اطرح سؤالاً مهماً: متى ستمتلك عملك ياجوجو ، الى متى ستظل مستسلم تحت هذا النظام !
جبريل: الا الحكومة يازوزو .. الا الحكومة!! بالنسبة لي ، المسألة لها علاقة بالواقعية البحتة ...
انا لا اؤمن الا بفكرة واحدة: ان افعل مايجب علي فعله!
فقل لي يا زوزو .. هل ستأخذ روحها ، ام ستنتظرني اتخّذ الاجرائات اللازمة و أُكمل الشفت المسائي لوحدي
عزرائيل: اي عمل ، واي واقع! لم نتلقى اوامر الهية منذ 200 عام ، انسيت بان "الله مات" على يد تلك الفلسفة الكارثيّة!!
جبريل: اللعنة على الذاكرة ، لم انسى .. كيف فضحنا ذلك المفكر الخطير!
بعد ان سمعت تلك المقولة قررت فضخ راسه ببعض الكتب من مكتبته .. حينها فقد الوعي ، ثم اُصيب بالجنون ، اتذكر ذلك!؟*
عزرائيل: اذكر اذكر ياجوجو ... كنا حيّالة في ذاك الزمن الغابر! المْ تستغرب بأن الاله لم يجن حينها ، ام تتوقع انه تعود على ذلك؟!
جبريل: الا الحكومة يا زوزو ... والا سأستدعي ملائكة التشفير للقضاء على فلسفاتك ايها اللعين!
عزرائيل: لا تخف ياجوجو ، ايمانك مجرد انعكاس لاضطراباتك النفسية التي هي نتاج هذه العلاقات الاجتماعية المستبدة بين الارباب و العبيد. فهو نظام يخلق الرفاهية لمن هم بالاعلى و يخلق الفقر و المرض و القهر لمن هم بالاسفل!
صدقني ياجبريل .. بأن كل اعمالنا مبنية على تخمينات الهيّة ، تلك الاوهام لا يمكن ان نرفضها بشكل مباشر ، بل يجب ان نرفض الاستبداد الذي يفرز مجتمعاً قائما على الوهم و الخرافة!
نحن في الواقع لانختلف كثيرا عن البشر ، نخمن ، ونعمل .. بلا ادلة او ادنى برهان لادراك ما خلف الوجود من اسباب علميّة و عقليّة!
جبريل: صدقني يازوزو .. انا متفهم لأفكارك النيّرة ، لكن هذه المخلوقة كُتب عليها الموت ، ويجب ان تموت!
فأما ان تأخذ روحها ، او ان تحضر مأتمها؟؟
عزرائيل: لن افعلها ، بل سأشن حملة على الطغاة من الطبقة المتسلطة ... الذين سلطوا الموت بلا سبب ، بلا فهم ، بلا ادنى وعي!!
ومن هذه المخلوقة سأبدأ ...
اضراب شامل!
اضرااااااااااااااااب!!
اضرااااااااااااااااااااااااااب!!!
خرجت روحها على صدى صرخات عزرائيل الثائر!
المضرب عن الهراء ، واللامنطق ، والاستغلال ، والاستبداد!!
ثم وضع لافتة على قبر الشهيدة:
( عزرائيل يثور اذاً عزرائيل موجود )

_____________
* الحديث هنا عن نيتشه ، مع العلم بأن "الله مات" هو مصطلح موجود قبل نيتشه!




الفصل الثالث: الجنازة


اقبل ابن موسى راقصاً على قبور الاولياء ،
صافح ابو المرحومة وقال: محظوظة ابنتك يامولانا!
قال (الاب) - ابو المرحومة - : عفواً ؟!
ابن موسى: محظوظة ابنة معاليكم يامولانا ...
فلا تحتاج ان تبحث عن عمل!
ولا تحتاج ان تدرس ،
ولا تحتاج ان تتزوج!
الخلاصة: ابنتكم حرة من كل القيود
الاب: آآآخ يا ابني آآآخ ....
لو ان الله حرر روحك بدلا من تحرير ابنتنا ، لاصبحت فعلا محظوظاً
ابن موسى: هل انت مجنون يامولانا!!!!!
انا اتمنى الموت ....... الم تتسائل لما المقبرة مسوّرة؟؟؟
لاني اموت شوقاً للدخول فيها
الاب: حتى انا يا ابني ، اتمنى ان اموت كما مات ابي السائق ...
ابن موسى: كيف مات ابوك؟؟؟
الاب: ابي السائق .. مات في هدوء و سكينة ، على عكس الركّاب - في الخلف - الذين ماتوا هلعا وفزعاً بعد الحادث!!
ابن موسى: اذاً ابوك هو الذي كتب عنه جرهام قصيدته المشهورة:
Theres been an accedent they said
your servant's cut in half , he's dead
'indeed' said mr jones, 'and please
send me the half that got me keys
الاب: في التراث العربي يا ابني ... كانوا ابائنا واجدادنا العظماء ينامون في الطريق ،
و يثملون في الطريق .. و يموتون في الطريق ، وكل شيء يحدث في الطريق!!
ابن موسى: اهاااا .... اذاً ابوك هو السيد قطب!
اليس هو من الّف: معالم في الطريق؟؟
الاب: لا !!! لا يا ابني الاحمق ههه
ابن موسى ينظر الى احد القبور ويقول: مرة من المرات بكيت هنا ، اتعرف لماذا؟
الاب: لماذا؟؟؟؟؟؟
ابن موسى: كنت ابكي واقول - لماذا مت ايها الاحمق ، لماذا مت ايها الاخرق!؟
فسالني احدهم في المقبرة .. "اتبكي قريب لك ام صديق؟؟؟؟
اجبته قائلا - ابكي بوي فرند عشيقتي الاسبق يا ابني!!!! لماذا ورطني اللعين
الاب: يبدوا لي بان زياراتك الى المقبرة تعتبر اليمة يا ابني؟!
ابن موسى: قلت لك يا مولانا .. بأن ابنتكم محظوووووظة! محظووووظة!!!
على فكرة ، هل تخاف الموت؟؟
الاب: داااااائما .. لكن قل لي يا ابني هل تتذكر شعورك اثناء الولادة!؟
ابن موسى: كل ما اتذكر بأني انبثقت من فرج والدتي بأعجوبة ،
لم يكن الدكتور مبسوطا من مراوغتي .. على ما اعتقد بأني بصقت في وجه الدكتور كنوع من الداعبة
المداعبات الكلاسيكية تفتقر للكوميديا يامولانا ، بل تميل الى الغزل او الشذوذ!
لكن لا تخف ، لم يحدث شيء بيني وبين الدكتور ، بل كنت اتسلى في حضن امي!
ماعدا ذلك ... لا اتذكر شيء!!!
الاب: ذكرياتك اليمة ، لكن قل لي: متى سترجع الى الله؟ فالموت حق .... الا تخشى النهايات!
ابن موسى: يامولانا انا لا اقلل من شأن الموت ، بل على العكس ... انا اقدّر الموت!
وهناك معزة خاصة بيننا ، لكنه قال لي بانه ستريت ، واسعدني سماع ذلك
الاب: كيف؟ اي معزة بينك وبين الموت؟!
ابن موسى: في حين ان كل المؤسسات الدولية تفرض تكاليف باهضة لتوصيل منتجاتها وبضائعها وخدماتها ...
بينما الموت يصل الى بيتك ، وانت في سريرك ، بلا اي تكلفة!
اعشق التخفيضات يامولانا .. اعشق التخفيضااات!!!
الاب: فعلاً .. الا ترى فضل الله في ذلك؟
ابن موسى: لا ، بل على العكس!
البضاعة لاتصل في الوقت المتفق عليه ، اعني ان الموت يأخذ زمناً طويلا الى درجة اني انسى البضاعة!
اعني: انسى الموت!!
ااااخ يامولانا .. لو في طريقة ان ادفع تكاليف التوصيل كي يعجلوا بالخدمة!
هل تتوقع ان الرشوة مقابل الموت هي فكرة ممكنة؟!
الاب: رشوة من يا ابني؟!
ابن موسى: ان نرشي كل من هم بالابستيرز يامولانا
الاب: حاشا لله يا ابني ، انتبه ... فالموت حق!
ابن موسى: الموت حق يامولانا ،
والبترول حق!
والحرب والجنس والكيرم والشطرنج كلها حقوق بشرية ورطنا الاله بها يامولانا!
الاب يشعر بالاسى ، فهو فعلا مضطرب ، لايفهم مالذي يحدث ، بل لم يستوعب مفهوم الموت ...
قرر ان ينظر الى ابنته المرحومة بأسى ، والتفت على ابن موسى وقال: الا تتأمل ابنتي ...
وتخشع!
وتسجد لله يا ابني؟!
انظر الى النور في وجهها .. هذا نور الايمان!
ابن موسى: بل هذا نور الشمس الساطع على جبينها ،
لا ادري لما اشعة الشمس دائما مسلطة على المؤمنين ،
مع ان الكوارث الطبيعية مسلطة على المؤمنين ايضا ...
فعلا شي عجيب يا مولانا!
الاب: انتبه يا ابني ، فلربما كلمة واحدة اسقطتك في جهنم الى الابد ...
فلا ادري ما مصيرك بعد هذا الكم الكارثي من الكلمات!؟
ابن موسى: اجل ما مصير من الف قاموس من الشتائم ،
لايهم لايهم!!! سؤال الى معاليكم: هل تعلم ماذا قالت احد الموسويات عندما زارها ملك الموت (زوزو) ؟
الاب: ماذا قالت؟
ابن موسى: لم اكن اعرف ان زوزوا بهذا المستوى من الدمامة!؟
لا لا امزح معاك ، من جدك يامولانا ... النساء يعشقون اي شي فمابالك بـ زوزو
هل تتوقع لو عملنا مسابقة على مستوى الاقبح .. ان افوز انا ام انت ام زوزو؟
الاب: دعنا من هذا ، بل اصدقني القول يا ابني ... ماذا قالت الموسوية عند حضرة ملك الموت عزرائيل؟
ابن موسى: قالت - هل هذا كل ماعندك ،
وختمت حياتها بضحكة .. هههه
الاب: يبدوا بأنها لم تسمع رد عزرائيل ...
ابن موسى: ماذا سيكون رد زوزو ... اتوقع ان يرد قائلا: "فمثلك حبلى قد طرقت و مرضعا ،،، الهيتها عن ذي تمائم مغيلِ"
الاب: كفاك ثرثرة يا ابني ، دعني اقبل ابنتي في هدوء!
ابن موسى: الجثة من املاكك .. تقبلها او تنام معها ، شي راجع لك يا مولانا
يمكن هالقبلة تدخلك الجنة ، مع ان تقبيل الاموات بدعة ؟!
مارايك في تخميناتي؟
الاب: دخلت الفقه من اوسع ابوابه يا ابني!
ابن موسى: لا اعلم عن ابواب الفقه ، احترفت غسيل الصحون لم اصبح بوابا بعد؟!
لكن هل تعلم بان تقبيل الموتى هو كتقبيل قطعة بلاستك ، قبلة فارغة الى جسد فارغ!!
الاب: فعلا يا ابني ، فالنصلي عليها اذاُ ، لعل الله يغفر لها ذنوبها ويسكنها في فسيح جناته!
ابن موسى: هل نصلي على قطعة بلاستك؟!
الاب: لم يسلم احد من بذاءة لسانك يا ابني!

انتهى اللقاء بعد ان ودع ابو المرحومة الحضور ، بينما ابن موسى يودع الجميع قائلا: صباح الخير في الليل!
والكل يجزم بجنون ابن موسى ، لكن ابن موسى يجزم بجنون الحضور!!!
وخرج من المقبرة راقصا على قبور الاولياء ، ساخرا من جثث الاموات والاحياء!

_________________________________




الفصل الرابع: مشهد العزاء !


من المثير ان معظم المعزين هم من اصحاب الاوزان الثقيلة ،
وهذا الوصف ليس اطراءً بقدر ماهو مشكلة بدنية يعاني منها سكان العالم الاول والثاني والعاشر!!
ولكن هذا لايمنع من ان السادة الكرام من المعزين ، بذلوا مجهود عظيم للوصول الى صدر المجلس ومصافحة والد المرحومة!
والد المرحومة: تفضلوا تفضلوا!
ابن موسى: اخر الاحزان يامولانا ، واتمنى ان تنتهي هذه السلسلة من الخسائر الوخيمة .. فتكاليف العزيات باهضة يامولانا!!
ابو خالد: احسن الله عزائك ، وآمل ان تكون من تعداد الفردوسيين ، يعني: high high
ابن موسى: محشش يا بوخالد؟؟ وين هاي هاي!!
جنة مو عمارة .. جنة مو زقارة!!
ابو المرحومة: تفضلوا .. تفضلوا!!
وهمس في نفسه قائلا: "اخرسكم الله الى الابد يامعشر الموسويين"!
*****
كلن اخذ موقعه ، فتفننوا المعزين في اختيار المواقع الاستراتيجية في المجلس!
ابن موسى جلس بالقرب من التمر ، و ابوخالد اختار صدر المجلس بالقرب من والد المرحومة
وشخص اخر جلس بالقرب من الباب ، كي ينفذ بجلده عندما تكون الثرثرة مملة كالمعتاد!
قال ابن موسى في افتتاحية العزا: يقال بأن الموت مثل الجنس!!
والد المرحومة: كيف؟ مالعبرة من هذه المقولة؟
ابوخالد: ربما لان كلاهما اعمال قاتلة يا بن موسى ،
مع ان الفرق بينهما هو ان الميت لايشعر بأنه عبارة عن بيتزا كما يحدث مع انتهاء اي عملية جنسية!
ابن موسى: خخخ ... اتدري مالمشكلة؟
والد المرحومة: مالمشكلة؟؟
ابن موسى: المشكلة هي ان الميت لا يملك اي نظرة نقدية للوجود او الموت او العدم!!
مع ان النقد الجنسي قد يكون اليم او عقيم!!!
ابوخالد: فعلا انا معك ، يعني كيف تتطور الروح البشرية وهي لاتنتقد نفسها ولا تنتقد محيطها؟!
ابن موسى: لان الروح ياسادة متخلفة!! انتاجات بضائع فاسدة - الروح  والبدن والمخلوقات الاخرى كلها اوت اوف ديت!!
والد المرحومة: لحظة يا جماعة ، الى الآن لم افهم اوجه الشبه بين الموت والجنس؟؟؟
ابوخالد: ربما الظروف!
ابن موسى: فعلا ، فظروف الموت وظروف الجنس متشابهه .. فكلاهما يعتبر فاتورة خرافية .. يكون فيها الدفع شبه استحالة!
والد المرحومة: يوجد اختلافات ايضا ، اختلافات كثيرة!!
ابوخالد: مثل ماذا يا سيدنا؟
والد المرحومة: مثل الخوف!!
ابن موسى: لاااا ، بل الموت سهل!! كالجنس تماما ، انما الحياة هي التي تجعلنا نموت من الخوف!!
ابوخالد: معك حق يا ابن موسى ، ولكن كيف نستطيع ان نتفادى الخوف من الموت!
ابن موسى: الحل الوحيد هو اضراب الكتاب عن الكتابة ، واضراب الصحف عن النشر!!
حينها يكون الخوف من الموت استحالة!!
والد المرحومة: الاخبار العزرائيلية هي اخبار كئيبة اكثر من كونها مرعبة!
الموت كئيب ياسادة ، جدا كئيب!!
ابوخالد: كلامك غير دقيق ياصاحبي ، لان البعض اتمنى رحيلة بفارغ الصبر!
بعض البشر حياتهم عبارة عن "غثاثة" اكثر من كونها حياة!!
ابن موسى: الناس يتفننون في النواح ، ويبحثون عن العزيات اكثر من بحثهم عن المهرجانات
والخلاصة هي ان معشر العاطفيين يعتبرون كارثة دنيوية ، يجب ان نجد لها حلاً!
والد المرحومة: العاطفة هي مصيرنا البائس و شقائنا المحتم!!
ابوخالد: ليس صحيحا ، انسيت ان اخر كلمات المرحومة - "لاتخف فأن تقرير موتي هو مجرد مبالغة!"
ابن موسى: اعجبتني كلمات المرحومة ، وانا متأكد من انها على استعداد لمقابلة الخالق ،
لكن هل الخالق على استعداد لمقابلتها؟!
والد المرحومة: دع الخلق للخالق يا فتى!
ابن موسى: مالخلق منحناه للخالق منذ زمن ، لكن اين النتيجة؟! فثقب الخالق يستمر في الاتساع!!!
والد المرحومة: اتعني ثقب الاوزون ايها اللعين؟!
ابوخالد: سخرية ملحد اكثر طرافة من سخرية الف مؤمن !!!!
ابن موسى: السخرية ليست الآن ياقوم ، بل عند مقابلة اعيان المجتمع امثال:
مستر جيمسون ، مستر وايت اند مكيه ، والدكتور تلسكير ، ومستر جوني ولكر ، وبالطبع سيكون السيد شيفاز من اول المدعوين!
وستنحتفل و نسخر من العاطفيين عن طريق الميتنقز (المقابلات)!
والد المرحومة: الخوف ليس من مقابلة اعيان المجتمع ، بل الخوف هو من مقابلة مستر اوفر في صباح الغد!!
ابوخالد: معكما حق يارفاق ، فمستر اوفر عليه خبطات صحوية اليمة ، اليس هو الملقب بزعيم الصحويين؟!
ابن موسى: خخخخ ...
والد المرحومة يدعوا الحضور على وليمة العشاء: تفضلوا ياضيوف! تفضلوا ...
****
همس الصغير خالد مخاطبا والده قائلا: والدي ... لمً استمتع في العزاء اكثر من استمتاعي في الاعراس؟؟؟
ابوخالد: لأن العشيرة لاتجيد الاحتفالات يا بني!
خالد: لأن الوجبات في العزا اكثر من الوجبات في العرس ، ففي العرس الخبطة واحدة ، بينما في العزا عدة خبطات!
ابوخالد: كل السياسيين اليوم يمتلكون شحوم استثنائية ياولدي ، هذا ماكتسبناه من القادة العظماء ،
مارس الافتراس يا ابني .. فانتصاراتنا لا تتعدا هذه المائدة!!!!
خالد: حاضر يا ابي!!
*****
بعد انتهاء الوليمة ، صارح والد المرحومة الحضور قائلا:
ان موت امرأة عبارة عن تراجيديا ، لكن موت مليون شخص هو مجرد احصاء!
ابن موسى: هذا فكر ستاليني يامولانا ، خطأ بالحساب وبالفكر وبالمنطق!!
ابوخالد: انا اعتقد ان الموت خالي من التراجيديا ، الا تشعر بتأفف روح ابنتك من المعزين الراديكاليين؟!
والد المرحومة: كيف؟؟؟
ابوخالد: الروح خفيفة ، وتعازي المعزين ثقيلة من كل النواحي - خصوصا من حيث الدم!!
فلا يوجد اثقل من التعزية الراديكالية ، فهي ترعب الروح و تجهد البدن!
ابن موسى: فعلا ، فلا احسب المرحومة سعيدة بهذا العزا! عزا ممل يا مولانا ممل!!!!
والد المرحومة: ان رداءة اسلوب المعزين ، وتكرارهم يصيبنا بالملل جميعا ، انا و انتم والمرحومة!
ابوخالد: لا تحزن يا صاحبي ، فعلى الاقل ان ابنتكم مشهورة!!
والد المرحومة: كيف؟؟
ابوخالد: الا تعلم بأن اسرع طريقة الى الشهرة هي عن طريق كفن!!
والد المرحومة: ماذا تعني؟؟ عن طريق الموت تتحقق الشهرة!؟
ابوخالد: بالضبط ، معك حق ... واكبر دليل ان معظم القادة العظماء لولا الموت والا لما اشتهروا!
واكبر مثال على ذلك: نيلسون ، قائد معركة طرف الاغر ، نسونجي ظريف مات واشتهر بطريقة اكثر ظرافة من المعتاد!
ابن موسى: دائما اتسائل عن شجاعة البشر في مقابلة الموت هل هي من نتاج الجهل الممزوج بالفهاوة مع القليل من التناحة!؟
ام لأن معشر الشجعان لم يجربوا الموت الا عن طريق الاذن و العين والفم والحنجرة؟؟؟
والد المرحومة: عند الامريكان مثل بديع ...
قاطعه ابوخالد: انا وابن موسى مقاطعين للمنتجات الامريكية - خصوصا من حيث الفكر والانبذة ماعدا ذلك لايوجد مقاطعة حقيقية!
والد المرحومة: ها ها هااااه ... حسناَ! يوجد مثل مجهول الهوية - ان لم تحن ساعة موتك فلن تموت ، حتى ولو على يد طبيب!
ابن موسى: الموت على يد طبيب امر محتم في وطني الحبيب!
ولا يوجد فرق كبير بين المحاماة والطب ، فكلاهما عبارة عن افلاس!!
لكن الفرق بينهما هو ان الطبيب يسرق اموالك و يقتلك ، بينما المحامي يكتفي بتفليسك!!!
والد المرحومة: اعتقد ان الطب هو المسؤل الاول ، اتعلمون ياسادة من المسؤل عن الموت؟؟
ابوخالد: خادم الحرمين؟؟؟
والد المرحومة: لا ايها الابله ... فخادم الحرمين مشغول في تلميع الحجر الاسود!!
ابن موسى: اذاَ من المسؤل عن وفاة المرحومة؟؟
والد المرحومة: قسم الولادة في المسشتفى العسكري هو السبب!!!!
ابوخالد: بالفعل ، اللعنة على قسم الولادة!!!
ابن موسى: قسم الولادة قسم عميل للقوات العزرائيلية!!!
والد المرحومة: ها ها هااااه ...
بالمناسبة اين سيكون لقائنا الليلة؟؟؟
ابن موسى: مع اعيان المجتمع؟؟؟
ابوخالد: اكيد يا بن موسى!
ابن موسى: اقترح ان يكون لقائنا في حي: ميرلوا ، في مزرعة: بنت نور ، بحضرة الرفيق شيراز!!
****
وهكذا اختفوا الضيوف بالتدريج ...
______________________
* "الجنس مثل الموت": القاءل هو الساخر المشهور - Wooy Allen
** اوت اوف ديت: منتهي صلاحيته!
*** الموت سهل الحياة هي التي تجعلني اموت من الخوف - القائل: Annie Lennox
**** العزرائيلية: نسبة الى عزرائيل!
***** "لاتخف فأن تقرير موتي هو مجرد مبالغة!" - القائل: مارك تواين!
****** "انا على استعداد لمقابلة الخالق ، لكن هل الخالق على استعداد لمقابلتي" - تشرتشل!
******* "مستر جيمسون ، مستر وايت اند مكيه ، والدكتور تلسكير ، ومستر جوني ولكر" اصناف الوسكي!
******** مستر اوفر: Hang over
********* حي: "ميرلوا" ، في مزرعة: "بنت نور" ، بحضرة الرفيق "شيراز!!" - انواع الواينات!





المشهد الاخير


بعد مرور عام على وفاة المرحومة ....
جبريل: زوزو ، اما زلت حياَ؟؟
عزرائيل: لايهمني متى واين سأموت ، لكن كل ما يهمني هو ان ارى الملائكة الثوار منتصبين
.. كي لا ينام الابستيريين على البؤساء والمقموعين من الموتى الابرياء!
جبريل: برافو! برافوا! لكن بحق الالهه قل لي مالعمل الآن؟؟ لأن معظم الملائكة تخلوا عن الاضراب بعد رشوة بسيطة مني!
عزرائيل: جميل يا جوجو جميل .. ماذا يتوقع العمال الملائكيين من السلطة غير الخداع و التضليل و الاستغلال!
جبريل: زوزو .. مازلت تعيش مثالياتك القديمة ، كل شي تغير اليوم ، الكذب اصبح مباحا ،
والاستغلال اصبح نظرية اما الرشوة فهي تكتيك ، والتضليل اصبح نظاماً سياسياً ، في اي زمن تعيش يا زوزو!؟
عزرائيل: في زمن انقلاب السلطة ، في زمن لا يعترف بالموتى او الموت ، في زمن الحياة!
في سنة لم تستطيع انت ورفاقك النخبويين السيطرة على الحياة ، القوة هي ما في الارض والخرافة هي ماوراء السماء!

THE END

الشعب مطلوب امنياً؟!

العولمة؟!

مقدمة:
العولمة هي نظام اقتصادي عالمي تمّ تبنيه من قبل الحكومات الرأسمالية و النخبة في المجتمعات الغربية ، وهو نظام مبني على حرية السوق و تقليص القوانين و الأنظمة التجارية ، وموجة عارمة من الخصخصة. و هي ذات دافع اقتصادي لخفض تكاليف الإنتاج عن طريق البحث عن عمالة ارخص. إن الرأسماليين يحصلون في هذا النظام الجديد على المزيد من الحرية على حساب العالم الثالث و العمال و الفقراء. فهذه العولمة لا تتحدّث عن حرية الانتقال بين الدول و حرية العمل في أي مكان ، بل تتحدث عن عولمة راس المال ، حرية الحركة التجارية التي "لا تضع حقوق الناس في أولوياتها ، بل هي شكل من أشكال الحكم الاستبدادي ، ربما حكم القلّة أو حكم الاحتكارات المؤسس على تحالف محكم بين سلطة الدولة و القطاع الخاص غير الخاضع للمسائلة أمام الشعب"   

إن "العولمة" تعتبر من الكلمات الحديثة في قواميس اللغة ، و يتعامل معها بعض الليبراليين و كأنها من المعطيات المقدسة و الحقائق الغير قابلة للنقاش. ومن أوهام العولمة التي يجب أن نخضعها للنقاش و النقد هو "إن السوق العالمي و الشركات العالمية أصبحت في قمّة جبروتها حتى أصبح العامل و الموظف معدوم و غير قادر على المقاومة في أي دولة و في أي قسم من أقسام هذه الشركات العملاقة" ، و إذا واصلنا على نفس التصورات المغلوطة سنجد أن حتى الحكومات فقدت السيطرة تماما أمام هذه الشركات العالمية ، فأصبحت هذه الشركات بقدرة قادر تتحكّم بالدول و الشعوب بشكل مطلق!

و وصل بهؤلاء الاقتصاديين و المنظّرين الليبراليين إلى أن يربطوا بين المنهج الماركسي الاقتصادي و بين نظرية العولمة ، بل إن احد الكتّاب في جريدة الفايننشل تايم كتب مقال يقتبس اقتباس لماركس يبرهن فيه كيف أن ماركس كان من أنصار العولمة ، مع العلم أن ماركس كان يتوقّع حدوث تطوّر الرأسمالية و تحوّلها إلى نظام اقتصادي عالمي ، لكن لم يكن من أنصار الفكرة ، لان أفكار ماركس لم تكن امتدادا طبيعيا للفكر الاقتصادي على الرغم من انه استفاد كثيرا من أفكار كبار الاقتصاديين في عهده أمثال ادم سميث و ريكاردو ، إلا إن من كتابات ماركس الشهيرة هي: " نقد الاقتصاد السياسي " ، فأفكار ماركس هي نقيضه للفكر الاقتصادي و ليست مكمّله له. و من المهم أن نستخدم أمثلة كي نعرف ما هو المقصود بذلك ، و حتى نتطلّع أكثر على الفكر الماركسي و نقده للفكر الرأسمالي ، فعلى سبيل المثال ادم سميث هو من ألف نظرية تقسيم العمل و العمّال و كيفية زيادة الإنتاج إذا ما أصبح لكل عامل دور مكرر كي يتم إنتاج السلعة بطريقة أسرع ، ولم يختلف ماركس مع ادم سميث حول زيادة الإنتاج ، لكنه قال بأن هذا يجعل من العامل نصف إنسان و أن هذه الطريقة غير إنسانية بل آليّة و قمعية و تؤدي إلى اغتراب العامل. بالنسبة إلى ادم سميث و ريكاردو ، البحث عن الربح هو أمر طبيعي و جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان. بالنسبة لكارل ماركس أن مسألة البحث عن الربح ما هي إلا مرحلة من مراحل التاريخ ، و ليس طبيعة بشرية متأصّلة في الإنسان ، بل أن الإنسان متعلّق بالبحث عن الربح لأسباب لها علاقة بالتنافسيّة في السوق الرأسمالي و التنافسيّة الجشعة بين الدول الرأسمالية ، وهذا يُجبر الرأسمالي على ادّخار و تكويم راس المال. فإذا لم ينجح الرأسمالي في محاولاته من تراكم راس المال فسيفشل ،هذا الصراع الضاري بين الرأسماليين من اجل راس المال يدفع تكاليفه العامل، لذا يكافح العامل و يقاوم الرأسماليين كردة فعل. أن العامل لا يتمّ صناعته من قبل النظام بشكل مطلق ، فهو لا يعتبر من الجمادات ، بل هو يرفض التأثيرات الخارجية و يصارعها ، "فهو ليس مجرّد شيء في تاريخ ، بل هو موضوع التاريخ".

هل فقد العامل أهميته في الصراع المحلي؟
أن نظرية العولمة  ، التي تعتبر أيدلوجية السوق الحرّ ، تدفع بفكرة القوة للطبقات العليا و تتصوّر أن الطبقة الكادحة هي معدومة من القوة في ظل هيمنة راس المال على العالم. و هذا في الحقيقة هو وهم من الأوهام الرائجة ، ففي ظل الترابط الاقتصادي الوثيق بين الدول و الشركات مما يجعل أي إضراب عمالي في دولة معينّة تؤثر تأثيرا قويا على الدول الأخرى ، مثل ما حدث مؤخرا مع إضرابات العمال في شركة الغاز المصرية مما أدى إلى توقّف تصدير الغاز إلى إسرائيل و الأردن ، و لو توقفوا عمال ارامكوا لتعرّضت الكثير من الدول إلى أزمة كبيرة ، فأصبح الإضراب يلعب دورا بارزا في التأثير على الشركات و الدول الرأسمالية.

هل يصحّ القول بأن بضع الآلاف في دولة ما ، يعملون لدى شركة عالمية عدد موظفيها يتجاوز النصف مليون ، هل ألبضع الآلاف قادرين على مجابهة الشركة العملاقة و المطالبة بالحقوق؟؟ إذا نظرنا لها من المنظور العقلي البحت ، سنستنتج أن هذا مستحيل و غير قابل للتصديق ، أما إذا عدنا إلى التاريخ سنجد أن هناك أمثلة عديدة تبرهن على قوة العامل و قدرته على التغيير. عندما اضرب عن العمل 3000 عامل عام 1996 في مصنع أوهايو في شركة جنرل الكتريك في قسم قطع الغيار: البريكات ، توقفت الشركة عن العمل بالكامل في أمريكا و كندا و المكسيك مما كلّف الشركة 45 مليون دولارا يوميا. عندما حدثت إضرابات عامة في دولة الدنيمارك ، اضطرّت شركة ساب أن تتوقف عن الإنتاج نظرا لان الموردين الدنيماركيين توقفوا عن الإنتاج بسبب الإضرابات العمالية ، مع العلم بأن شركة ساب فلندية. وتأثرت شركة فولفوا بهذه الإضرابات التي وصلت إلى مصانعها في السويد و هولندا. وعندما اضربوا عمال شركة فورد في بريطانيا في عام 1988 ، تأثر إنتاج شركة فورد في أوروبا بالكامل بسبب إضرابات العمال الانجليز ، مما أدى إلى أن توقّفت الشركة عن التوريد لأوروبا لمدة 4 أيام. وهذه الأمثلة أن دلّت على شيء، فأنها تدلّ على أن النظام العالمي الاقتصادي لم يُضعف الطبقة العاملة، بل ازداد تأثير الطبقة العاملة بسبب زيادة المصالح المشتركة بين الدول. أما منطق الرأسماليين في التعامل مع هذه القضية هو مثل منطق الامبرياليين في تعاملهم مع فيتنام قبل الحرب ، عندما قارنوا الاحتلال البريطاني و انتصاراته على الهنود مع ضعف تقنية السلاح في القرن التاسع عشر ، إلا أن الآن أمريكا تملك أسلحة متطورة أكثر بكثير من الانجليز ، و الشعب الفيتنامي اقلّ عددا من الشعب الهندي ، لكن هذا المنطق لم ينجح ، بل فشل فشلا ذريعا ، لان قيمة الجندي البريطاني في السابق اقلّ بكثير من قيمة الجندي الأمريكي الآن ، لقد تغيّرت تكاليف الحروب ، تكلفة قتل جندي أمريكي تصل إلى مليون دولار: مراسم الدفن ، التعويضات ، توظيف بديل ، قيمة التدريب. فما بالك بتكاليف تفجير طائرة إلي تعتبر شيئا باهظا مقارنة بالاستيلاء على البنادق و المدافع الذي كان يحدث مع كل انتصار في معارك القرن التاسع عشر.  

الهجرة:
عندما يأتي عامل مهاجر إلى دولة ما يعتبر في نظر المحللين الاقتصاديين الذين يؤمنون بالعولمة أن هذه الهجرة عبارة عن هجوم الأجانب على ثروات البلد و سلب وظائف المواطنين و عملية اكتساح للقوى الوطنيّة الاقتصادية ، بينما عندما تشتري شركة فولكس واجن شركة روز رويز بمبلغ 430 مليون جنيه إسترليني يُنظر على انه نمط اعتيادي من أنماط التجارة العالمية المعترف بها دوليا ، و لكن عندما يتم إجبار العامل على أن يعمل بشكل أسرع تحت ذريعة أو تكتيك: speed-up production  ، هذا يعتبر شيء طبيعي في نظر الإعلام و المحللين الاقتصاديين ، أما إذا حاول عامل من العمال أن يقاوم و يرفض أن يزيد من سرعة العمل من دون تعويض حقيقي ، حينها يعتبره الإعلام كشخص مجرم و لا يعرف كيف يحافظ على مستقبله الوظيفي. و تسمع أحيانا في الإعلام الغربي أخبار الراديو: "أخبار جيدة، أرباح الشركة الفلانية زادت بنسبة 15% مقارنة بالسنة الماضية"، وبعد ذلك يصرّح على نفس القناة: "أخبار سيئة، العمال أصبحوا جشعين و يطالبون بزيادة بالرواتب 5% فقط"

أن الرأسماليين يتذمرون باستمرار إلا أنهم في الحقيقة مستفيدين من وجود طبقة من العمال المهاجرين بسبب استفادتهم من الأجور المتدنية ، إلا أنهم يريدون أن يكرّسوا التفرقة بين العمال ، كي يحافظوا أيضا على قيمة أجور المهاجرين ، في حين عندما يحصل المهاجرين على المساواة في الأجور سيخسر الرأسمالي بكل تأكيد. أن الكثير من الدلائل التاريخية تثبت بأن الاشتراكيون الثوار هم القادرون على الدفاع عن العامل بشكل متواصل ، في مواجهة العواصف يصبح الإصلاح غير مجدي ، فهو مثل استخدام مظلّة من الورق – فهي جيدة على شرط أن لا تمطر السماء ، لذا يتوجب علينا أن ندافع عن المهاجرين من العمال و العمال المحليين و عندما يحاولوا أن يقفلوا احد الشركات يجب أن نكافح و نطالب بالملكيّة و حقوقنا ، و هذا ما حدث في شركة فستون مؤخرا ، عندما تمّ إغلاق المصنع لم يقبلوا العمال أن يخرجوا بلا تعويضات ، وعندما لم تصغي لهم الشركة ، احتلوا المصنع و وضعوا عليه الإعلام الحمراء ، حتى اضطرّت الإدارة أن تدفع تعويضات جيدة لكل عامل ، لماذا لم يستخدمون العمال نفس الأسلوب عندما تم إغلاق شركة سما؟ الجواب هو ضعف التنظيم، فالعامل بدون نقابات هو مثل المحارب الأعزل!!


السوق المحلي و نهاية الحكومة المحليّة:
أن 66% من الإنتاج السنوي في أمريكا يستهلك محليا، واكبر 50 شركة عالمية تعتمد على الأسواق المحليّة بنسبة 50%، فالسوق المحلي يلبي نصف احتياجاتها. فإلى أي مدى نحن نعيش في اقتصاد عالمي ، و إلى أي مدى أصبح بمقدور الشركات أن تستغني عن الأسواق والحكومات المحليّة؟؟ هناك علاقة وطيدة بين الحكومة و الشركات العالمية، لذا يستحيل أن يختفي دور الحكومات في تأمين احتياجات الشركات، تلك الاحتياجات التي لا يستطيع توفيرها السوق، مثل: الشرطة، القضاء، قوانين الإقراض، و استقرار العملة المحليّة. لذا فأن دور الحكومة في تأمين احتياجات السوق الرأسمالي يجعل الحاجة إليها ماسة أكثر من الماضي، فلن ينتهي دور الحكومة بكل بساطة. بل على العكس، أن الشركات العالمية تجني أكثر من نصف أرباحها من مكان نشأتها و باقي الأرباح تأتي من السوق العالمي. و أن الحكومات هي التي تدعم العملة، و تتحكم بالسوق سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. و في الحقيقة، أن إنقاذ البنوك على يد الحكومات الغربية في مرحلة الأزمات الاقتصادية هو دليل واضح عن أهمية الدولة في الزمن الحديث. 

يجب ان ندرك أن الصراع اخذ شكلا عالميا ، و ان من واجبنا هو تعميم التجربة النضالية للطبقة العاملة و الاستفادة من تجارب العمال في كل ارجاء العالم. أن مع تناقضات النظام الراسمالي يخرج حفّاروا قبرها ، و لن تستطيع ان تستمر الرأسمالية الا بمتصاص دمائنا ، لذا يتوجب علينا التنظيم و المواجهة .. لأن هناك عالم افضل ! 

Goya - They who can not


هل سنستطيع ان نتحمّل البرجوازيين الى الابد؟

Internationale




 
"Arise ye workers [starvelings] from your slumbers
Arise ye prisoners of want
For reason in revolt now thunders
And at last ends the age of cant.
Away with all your superstitions
Servile masses arise, arise
We'll change henceforth [forthwith] the old tradition [conditions]
And spurn the dust to win the prize.

So comrades, come rally
And the last fight let us face
The Internationale unites the human race.
So comrades, come rally
And the last fight let us face
The Internationale unites the human race.

No more deluded by reaction
On tyrants only we'll make war
The soldiers too will take strike action
They'll break ranks and fight no more
And if those cannibals keep trying
To sacrifice us to their pride
They soon shall hear the bullets flying
We'll shoot the generals on our own side.

No saviour from on high delivers
No faith have we in prince or peer
Our own right hand the chains must shiver
Chains of hatred, greed and fear
E'er the thieves will out with their booty [give up their booty]
And give to all a happier lot.
Each [those] at the forge must do their duty
And we'll strike while the iron is hot."



الاثنين، 15 أغسطس 2011

هل مازالت الماركسية اليوم فكرة واقعية؟!




"عندما كنا في المدارس ، كان المعلمين يدرسوننا في حصص التاريخ عن الرجال العظام: عن الملوك و الجنرالات و الامبراطوريات ، ومن القصص التي درسناها هي قصة كليوباترا عندما كانت تغتسل باللبن ، و كانوا المعلمين لا يشرحوا لنا كيف يتم انتاج اللبن و كم من الاطفال المصريين فقدوا حياتهم بسبب عدم توفر الغذاء ، و اللبن خصوصا. يعلموننا في المدارس عن بطولات نابليون في حربه مع الروس عام 1812 ، لكن لم نتعلم أي شيء من قبل هؤلاء المعلمين بخصوص اعداد القتلى و الجرحى من الفقراء الروس الذين قتلوا اثناء هذه المعارك الدموية ، ولم يعلموننا كم جندي فرنسي قُتل اثناء هذا الاجتياح العدواني.

يقول كارل ماركس ، ان المهم هو حياة الملايين و افكارهم: "ان تاريخ العالم هو تاريخ صراع الطبقات ، صراع الاحرار مع العبيد ، صراع اللوردات مع الخدم ، صراع المستضعفين مع المتسلطين .. مواجهة مستمرة لا تنتهي الا بتغيير المجتمع بأسره او هزيمة جماعية لكل الطبقات"

ان الاشتراكية الستالينية و الاشتراكية الديمقراطية هي نُظم اشتراكية من الاعلى ، بخصوص ستالين الامر معروف ، عندما يعطس ستالين كل عضو في الحزب يبحث عن منديل ، اما الاشتراكية الديمقراطية تبدوا ديمقراطية حقيقية لكن في الحقيقة ما هي الا حركة نخبوية ، حيث ان رجل الشارع ينتخب في حياته عشر مرات في الانتخابات البرلمانية التي تحدث مرة كل اربع او خمس سنوات ، بعدها يتركوا كل شؤنهم السياسية للنخبة الحاكمة و يتم عزلهم تماما عن أي مشاركة سياسية في القرار. فرجل الشارع لا يمارس الديمقراطية فعليا الا في 30 دقيقة في حياته بأكملها ، و هذه الثلاثين دقيقة هي مجموع رحلات الفرد الى صناديق الاقتراع ، و كما يقول لينكن: "لا يمكن ان نعيش في مجتمع نصفه عبيد و النصف الآخر احرار !" ، ان الاشتراكيين الديمقراطيين يتوقعون من الفرد ان يعيش نصف ساعة من الحرية و حياة بأكملها من العبودية.

 تناقضات الراسمالية:
في المجتمع الراسمالي ، الاشخاص الذين يعملون لا يملكون وسائل الانتاج ، و الاشخاص الذين يملكون وسائل الانتاج لا يعملون على الاطلاق.  في النظام الراسمالي يتم انتاج السلع بطريقة جماعيّة: عدد مهول من العمال يعملون في وحدات كبيرة: مصانع ، قطارات ، مستشفيات ، لكن التناقض هو في كون ان الانتاج جماعي لكن الملكيّة غير جماعية بل في يد مجموعة من الافراد او الشركات  الراسمالية او الدولة.

في كل وحدة انتاجية يوجد تخطيط ، لكن لا يوجد تخطيط بين الوحدات الانتاجية المختلفة ، فعلى سبيل المثال: يتم انتاج محرك واحد لكل سيارة في مصانع فولكسواجن ، و يتم ايضا صناعة هيكل واحد و اربع عجلات لكل سيارة ، و يوجد تخطيط بين كل القطاعات المختلفة في الوحدة الانتاجية ، لكن لا يوجد أي تخطيط بين الوحدات الانتاجية المختلفة ، بين فولكسواجن و جينرل الكترك على سبيل المثال. ان التخطيط و الفوضى هما وجهان لعملة واحدة في النظام الراسمالي ، لكن دعونا نسأل انفسنا عن الفوارق في نُظم الانتاج بين المجتمع الراسمالي و النظم الاخرى؟ في النظام الاقطاعي يوجد انتاج فردي و ملكية فردية ، و في النظام الاشتراكي يوجد انتاج جماعي و ملكية جماعية. في النظام الاقطاعي لا يوجد تخطيط اقتصادي ، بينما التخطيط في النظام الاشتراكي سيكون في كل وحدة انتاجية و سيكون في الاقتصاد عموما.

ان ديناميكية الانتاج في النظام الراسمالي تتسبب في الفوضى الانتاجية ، لذلك يوجد فقر مدقع في كل المجتمعات الراسمالية. فهذا النظام هو الاول من نوعه الذي يجوع فيه الفقراء و العمال ليس بسبب عدم وجود المال و الغذاء الكامل ، بل على العكس .. يوجد فائض من الانتاج الى درجة ان الولايات المتحدة تصنع سفن متخصصة في رمي الحبوب في المحيط كي تحافظ على الاسعار المرتفعة. لذا فأن الفقر و الغنى اخذ شكلا متطرفا و غريبا عن كل النماذج التاريخية ، فيعيش معنا اليوم 58 بليونيرا يمتلكون نصف ثروات العالم او بالاحرى نصف اجور المجتمعات البشرية.


التنافسية و استغلال العمال:
تحت النظام الاقطاعي ، اللورد يستغل الخادم المضطهد كوسيلة لتغيير حياة اللورد الى الافضل ، لكن الحافز خلف استغلال العمال في شركة فورد على سبيل المثال هو ليس مصلحة الراسمالي في الاستهلاك الآني ، لو كان الامر كذلك لأصبحت مشكلة النظام الراسمالي مشكلة بسيطة ، فلو كل عامل في شركة فورد الذي يقدر عدد العمال فيها بـ 250 الف عامل ، لو اعطى كل عامل جنيه استرليني واحد فقط  كي يعتاش عليها الرأسمالي (على شكل فائض من القيمة) ، لكان الضرر تافها ، لكن ديناميكية الاقتصاد اقوى من ديناميكية الاستهلاك ، و غاية الاستغلال ليس الاستهلاك انما الغاية هي تراكم راس المال كي تستمر الشركات الراسمالية في النمو بستمرار ، لذا فأن الشركات تحتاج الى راس مال اكبر بستمرار و تحتاج الى الابتكار و التطوير التكنلوجي ، و كل ذلك يحتاج الى راس مال اكبر. و في ظل هذه الفوضى التنافسية يتحمل اعبائها العامل في كل وحدة انتاجية.


طبيعة الدولة الراسمالية:
في كل مكان يقال لنا بأن الدولة هي فوق المجتمع ، و هي تمثّل الوطن ، بينما ماركس يوضّح هذه المسألة بشكل مبسّط: "ان الدولة ليست الا عبارة عن رجال مجندين" ، و وصف القطاع العسكري بأنه: "قطاع القتل" و انه يعتمد على القطاعات الحقيقية و ان القوة الانتاجية تحدد القوة التدميرية ، ففي الحرب العالمية الاولى عندما كان ملايين من البشر يتم تجنيدهم في الجيش ، كان ايضا هناك ملايين من البشر يتم استغلالهم في مصانع السلاح و الذخيرة. في العالم اليوم يتم تحويل ملايين الدولارات بضغطة زر ، و ايضا يتم قتل الملايين بضغطة زر، فقطاع القتل و القطاعات الاخرى هي متكاملة تكامل اصابع اليد مع القفاز. و الهيكل الاجتماعي للجيش ما هو الا انعكاس للهيكل الاجتماعي في المجتمع ، فمثل ما هنالك جنرالات و جنود ، ايضا يوجد في المصانع: عمال و اداريين ، هذا الهرم ينطبق على ذاك.

ثورة البرولتاريا:
كي نتخلص من الراسماليين يجب على الطبقة العاملة ان تحصل على القوة السياسية. لكن ماركس قال لايمكن ان يأخذ العمال النظام السياسي الحالي و يستخدموه لمصلحتهم بكل بساطة ، لان النظام الحالي هو انعكاس للهرم الطبقي في المجتمع الراسمالي ، لذا يتوجب على العمال ان يدمروا الدولة بنظامها و الياتها الهرمية ، و يستبدلوا الدولة بدولة اخرى ، دولة لا يوجد فيها جيش ، و لا يوجد فيها بيروقراطيين دائمين ، وكل القياديين منتخبين و يمكن استبدالهم ، و لا يوجد فيها ممثل يتقاضى اكثر من العمال. ولم تخرج افكار ماركس من العدم ، بل استفاد من التجربة العمالية الثورية لدى كميونة باريس في عام 1871.

يقول ماركس في المنفستو الشيوعي: "كل الثورات في تاريخ الحركة الشعبية هي ثورات الأقلية او لمصلحة الأقلية ، بينما ثورة البرولتاريا هي ثورة الوعي ، و هي الثورة المستقلة ، و هي ثورة الاغلبية لمصلحة الاغلبية" ، و لقد شرح ماركس قبل 150 سنة عن لماذا نحتاج لثورة: لان الطبقة الحاكمة لن تتنازل عن ثرواتها و عن قوتها السياسية من دون ثورة ، و لن تتخلص الطبقة الكادحة من تراكم العصور المليئة بالاضطهاد و الاستغلال الا بالثورة على النظام الحالي.

الراسمالية توحّد العمال ، و هي ايضا تفرقهم ، المنافسة في سوق العمل و المنافسة على الاسكان يفرّق العمال و يقسمهم ، ولكن محاربة الاداريين و مجابهتهم توحد العمال ، و ان اقصى مستويات الوحدة هو الاضراب العام. ان الثورة ليست عبارة عن حادثة واحدة لكنها سلسلة من الاضرابات و الاحتجاجات التي تتراكم حتى يحصل العمال على القوة السياسية.

دائما ما نسيء فهم الحاجة للعنف ، العنف ليس الثورة ذاتها ، فقد قال كارل ماركس: "ان علاقة العنف بالمجتمع هو مثل علاقة المولدة بالمرأة الحامل" ، لاحظ ان ماركس وصف العنف بالمولدة و ليس الجنين. مجرد مساعدة اكثر من كونه غاية. اذن العنف هو حاجة و ضرورة لكنه ليس غاية.

ان الثورة لها تغييرات جذرية في حياة العمال ، فعلى سبيل المثال .. تحت حكم قيصر روسيا يتم اعتقال اليهود و كانت هناك قوانين عنصرية ضدهم ، و غير مسموح لهم بالعيش في موسكو من دون تصريح رسمي من السلطات الحكومية. و كان هناك قوانين كثيرة تنتهك حقوقهم ، لكن بعد الثورة اصبح قائد السوفيت في موسكو هو يهودي اسمه كمينيف ، وقائد الجيش الاحمر هو ايضا يهودي اسمه تروتسكي ، و من التغييرات الاخرى هو ما حدث في عام 1917 عندما كان لنكارسكي يلقي محاضرات يصل الحضور فيها الى ثلاثين او اربعين الف شخص ، وكانت المحاضرات عن مواضيع شيقه مثل: وليام شيكسبير و الادب الاغريقي ، وكانت المحاضرة لا تنتهي الا بعد ساعتين او ثلاث ساعات.

لقد اوضح لينين الظروف الثورية في عدة نقاط:
·         أزمة قويّة تجتاح المجتمع ، وهذه الأزمة هي اجتماعية و سياسية و اقتصادية يتحمّل تكاليفها الطبقة الكادحة!
·         الشعب عموما والطبقة العاملة بالذات تبدي عدم الاستعداد في أنها تستمرّ على نفس الروتين القمعي القديم!
·         الطبقة الحاكمة تفقد الثقة في السيطرة على الأوضاع الراهنة ولا تستطيع أن تستمرّ بنفس الطريقة القديمة!
·         فقدان الثقة في السيطرة يتسبب في تمزّق وتفكك مؤسسات الطبقة الحاكمة من شرطة و جيش و مخابرات.
·         حزب ثوري يتحدى الدعاية الحكومية و يثير غضب الجماهير و يأججهم ضد الطبقة الحاكمة.

تحدث ماركس في المنفستو: "ان الصراع الطبقي اما ينتهي بثورة تغيّر المجتمع بأكمله او هزيمة و خراب و دمار المجتمع بأكمله" ، لقد توصل ماركس لهذه النتيجة من تجربة ثورة العبيد و انهيار روما و مجتمع العبيد. عندما انهزم سبارتاكوس ، العبيد لم يستطيعوا هزيمة طبقة ملاك العبيد ، عاش المجتمع ازمة انهيار ، و العبيد انتهوا و تم استبدالهم بالخدم ، و تم استبدال ملاك العبيد باللوردات الاقطاعيين.

فريدرك انجلز تحدث عن بديل للانسانية ، اما الاشتراكية او البربرية ، و روزا لكسمبورغ طوّرت الفكرة ، لكن انجلز توفي عام 1895 ، و روزا لكسمبورغ قُتلت عام 1919 ، كلاهم لم يشهدوا المحرقة النازية و لم يشهدوا هوروشيما و نايزاكي و لم يشهدوا النكبة و الاستعمار الصهيوني و لم يشهدوا الفقر المدقع في افريقيا ، فاليوم نعيش في بربرية اكثر وضوحا و اشد تناقضا من البربرية التي انتقدها انجلز و ماركس ، و الانسانية تواجه نظاما اشد ضررا من زمن ماركس ، تلك التناقضات التي تظهر للعيان مع الازمات الاقتصادية الطويلة و الحروب المدمرة و التي تستمر ايضا لفترات طويلة تدمر فيها الدول و المجتمعات. ان الطبقة العاملة اليوم اقوى بكثير من عام 1883 عندما توفي ماركس ، بل ان العمال في كوريا فقط اكبر من عدد العمال في العالم كله في عهد ماركس ، لذا فأن المستقبل للاشتراكية اليوم هو مستقبل مبهر و امامنا الكثير من التنظيم و المواجهة. "

توني كليف – ترجمة ناجي العلي