الاثنين، 28 نوفمبر 2011

تركي الفيصل: هل زرت السعودية ؟!





كان ردّ الامير تركي الفيصل على الصحفي سام الحسيني رداً يعجّ بالأخطاء و المغالطات التاريخية و السياسية ، و مع ذلك اعتبره البعض بأنه الجم الصحفي حفاظاً على سمعة المملكة. بينما الصحفي سام الحسيني لم يكن من المغرر بهم و لا هو مدعوم من قوى خارجية ، بل هو ناشط حقوقي ضد التمييز العرقي و ضد الحكومة الأمريكية بأحزابها المهيمنة (الديمقراطي و الجمهوري) ، و كان دائماً داعماً للسياسيين المستقلين. بغض النظر عن الفكر السياسي الذي ينتمي له سام الحسيني ، ما يهمني هو سؤاله الذي كاد أن يكلفه حياته المهنية عندما قال: "أي شرعية يمتلكها نظامكم ، غير مليارات الدولارات و عقود الأسلحة؟" ، و هو في نظر الاعلاميين الرسميين سؤلاً مخلاً بالأدب ، بينما صفقات السلاح و الفساد المالي و الاداري و نهب المال العام هي أمور لا علاقة لها بالأدب بل سياسة الدولة الرسمية مع انها سياسة تفتقر للأخلاق الإنسانية و العدالة الاجتماعية. فكان رد تركي الفيصل رداً ناقماً ، حيث طلب منه في بادئ الامر ان يتبادلون الأدوار .. كيف انا الامير و السفير تسألني هذا السؤال الحقوقي الغير لائق؟؟ حيث يريد صاحب السمو و الجلالة ان يطّلع على الأسئلة قبل إلقائها كما هو موجود في وطننا الغالي. و كانت الحنكة الدبلوماسية تقتضي من تركي الفيصل ان يجيب على الصحفي بسؤال ، و ليته لم يسأل ، حيث قال: "هل زرت السعودية؟؟" ، فان المملكة العربية السعودية في مخيّلة الامراء هي مملكة الانسانية ، اما في واقع الفقراء: فهي مهلكة و ليست مملكة. فماذا سيرى سام الحسيني في المملكة؟ هل ستنال اعجابه القصور الفاخرة في بلد يعاني من شحّ الاسكان الذي بلغ الى 70% من المواطنين لا يملكون سكن. او للمدارس المتهالكة في شتى المناطق بل احترقت مدرسة مؤخراً بتقصير من وزارة التعليم؟؟ ام سيرى اضرار سيول جدة التي كشفت عن فساد المقاولين الذين الى الآن لم يتم محاسبتهم بل ان احد المسؤلين تم ترقيته الى وزير! ام سيرى السجون السياسية التي تعجّ بالمنسيين خلف القضبان؟؟ ام سيرى نقاط التفتيش التعسفية ضد المدنيين؟؟ ام سيرى كيف يتم اطلاق النار ضد احتجاجات الحقوقيين المسالمين في المنطقة الشرقية؟؟ ام سيرى السياسة الطائفية التي تنتهجها الدولة في التعامل مع الطائفة الشيعية؟؟ ام سيرى نظام الكفالة الذي يقيّد من حرية العامل بأشدّ القوانين الصارمة التي لا تبالي بحقوق العمال الاجانب؟؟؟ ام سيرى كيف تضطهد المرأة في بلادنا بشتى انواع الظلم و الاضطهاد؟؟؟ بعد كل هذه التساؤلات انا اعتقد بأن تركي الفيصل محظوظ جداً بأن الصحفي سام الحسيني لم يذهب الى السعودية ، بل حتى زيارة السعودية ليست بهذه السهولة الا للشركات و الاستثمارات الاجنبية ، اما الصحفيين فيتم اعتقالهم و تهديدهم عند نشر أي مقال يدعوا لنقد الفساد او حتى الحديث البريء عن الفقر كما حدث مع فراس بقنه.   

واصل تركي الفيصل بعدها الحديث عن المرأة في امريكا ، حيث قال: "متى حصلت المرأة على حقّ التصويت في امريكا؟ بعد 150 سنة ، فهل كانت امريكا لا تحظى بشرعية قبل اعطاء المرأة حقّ التصويت؟؟!!!". استند الفيصل على تحليل غير منطقي للتاريخ ، لسببين: اولا ، لو كان التاريخ يُحسب بهذه الطريقة .. اذن لقد اخطأ الملك فيصل خطأ فادحاً في تحرير العبيد ، لأن بريطانيا لم تحرر العبيد الا بعد مئات السنين من الاستعباد و السعودية تحتاج الى مئات السنين قبل تحريرهم !! يجب ان نتعاطى مع الاشكاليات و الحقوق بموضوعية .. لا نستطيع ان تنتظر قرن و نصف حتى نصل الى معادلة خرافية تتناسب مع تاريخ امريكا .. لأن اذا كانت الامور تسير على هذا النحو .. اذاً امريكا اضطرت ان تنتظر 150 سنة لأعطاء المرأة حق التصويت بينما بريطانيا اخذت مئات السنين قبل اعطاء المرأة حق التصويت و مع ذلك كانت امريكا هي الاسبق لهذا التغيير! ان التاريخ لا يحدث بمعزل عن البشر ، بل ان الانسان هو موضوع التاريخ و هو الذي يصنع الاحداث ، لذلك ان حق التصويت و تحرر العبيد و الثورات ضد الدكتاتورية كلها لا تعتمد على من سبق الآخر و لا على المقارنات البائسة بين الشرق و الغرب و بين امريكا و السعودية ، بل تعتمد على الصراع الطبقي و جاهزية الجماهير الذين صنعوا الحقبة الثورية بدل من انتظار عجلة التاريخ ، فعلى سبيل المثال .. روسيا كانت اكثر تخلفاً من بريطانيا ، و مع ذلك حدثت الثورة البلشفية في روسيا و لم تحدث في بريطانيا ، و هي اول ثورة تعطي المرأة حق المساواة و حق الاجهاض و حق المشاركة السياسية.


نحن اليوم لا نعيش في القرون الوسطى ، بل اتيحت لنا سبل التغيير و التطور بشكل اكبر بكثير من الماضي ، و كل الامثلة التاريخية حتى مثال المرأة الامريكية يثبت لنا بأن المرأة لم تحصل على حق التصويت من خلال برنامج حكومي اصلاحي متطور كما قال مولانا الامير بل من خلال الاحتجاجات الشعبية و المظاهرات و الاضرابات العمالية. من الواضح ان جلالة الامير استخدم المثال الخطأ عندما تحدث عن المرأة في امريكا ، و اخفق حتى في الاجابة على السؤال عندما تحدث عن الاعمال الخيرية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية ، ما فائدة العمل الخيري اذا كانت الدولة تستنزف موارد البلاد في شراء الاسلحة التي لا تُستخدم الا لمكافحة الشعب (لأن تاريخيا لا يوجد شغَب) و ايضاً تستخدم الاسلحة في التدخل في شؤن الدول المجاورة و زعزعة امنها و استقرارها. مالفائدة من وصول المرأة الى مجلس الشورى الذي يفتقر لأدنى صلاحية ، فهو ليس بالمجلس التشريعي و لا هو بالمجلس التنفيذي ، بل ان مجلس الشورى اخفق في تلبية احتياجات الرجال الكادحين فما بالك بتلبية احتياجات المرأة الكادحة. المرأة اليوم تستحق حقوقها كاملة و من دون تأجيل لأنها تساهم في بناء المجتمع و تعاني من القهر و الظلم و الاستبداد.


أن العائلة المالكة التي مارست الاجرام المنظّم عن طريق نهب ثروات و موارد البلاد لا تستحقّ فرصة للأصلاح ، بل ليس من المعقول ان ننتظر المسؤلين عن الازمة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ان يحلّوا الازمة ، بل انا واثق من انهم ابعد ما يكونون عن البحث عن الحلول ، بل هم يحاولون بستمرار ان يتناسوا اشالية الفقر و البطالة و الفساد و الطائفية. الحلّ الامثل يكمن في الاحتجاجات و الحركة الجماهيرية المناهضة للنظام ، اما المجالس البلدية و مجلس الشورى نحن نعرف من تمثّل ، فهي مجالس لا تمثلنا على الاطلاق ، بل تمثّل المرتزقة من المتكسبين من الفساد و الاستغلال. اما الحلول الحقيقية فهي اكثر وضوحاً من اللغة الرسمية التي يستند عليها تركي الفيصل في التعاطي مع المسائل الحقوقية ، حيث ان الاغلبية من سكّان السعودية هم أناس انهكتهم الواجبات الجسيمة و لم يحصلوا على ابسط الحقوق ، بينما الامراء و الاثرياء يحصلون على حقوقهم كاملة لكن لا يقومون بعمل أي شيء سوى استنزاف مواردنا و ثرواتنا التي انتجتها سواعدنا. حيث ان سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع الراحل خلّف ترليون ريال سعودي لأبناءه ، بينما الامير مشعل يملك اكثر من ترليون و مئتين مليار ، و جلالة الملك يتقاضى شهرياً مئة الف ضعف مرتب العامل ، و بعد ذلك يتحدثون عن الاصلاح!!؟؟ لقد تجاوزت الجماهير العربية هذا المصطلح الذي فشل مؤخراً فشلاً ذريعاً ، حيث لا يوجد حقبة ذهبية للأصلاح مثل حقبة الملك عبد الله و مع ذلك لا يوجد ادنى اصلاح حقيقي في حياة الكادحين ، بل كلها قرارات وزارية لا تعني شيء بالنسبة للفقراء. لأن حتى الاصلاح الحقيقي يحتاج الى حركة جماهيرية ترغم السلطة على تنازلات للطبقات الاخرى ، لذلك اقولها بصراحة لمعالي الامير: انتهت اللعبة .. و لن تنجح الاعيبكم في التضليل و وبثّ الاكاذيب عبر وسائل الاعلام ، لأننا الآن نعيش في حقبة مختلفة ، حقبة يسودها احتقان شعبي ، و كلنا غير مؤهلين لتصديق سموكم الكريم !!!

الخميس، 17 نوفمبر 2011

عبقرية ماركس: الرد على جاهلية العقاد .. !





مقدمة:
لطالما كنت حذرا في قراءة كتابات محمود عباس العقاد ، التي تتميز كتاباته بالنقد الحاد و الفكر الشمولي و الاستقلالية الى حد كبير ، الا ان كتاب الشيوعية و الانسانية و كتاب افيون الشعوب[i] هما من اكثر الكتب تزويرا و تشويها للفكر الماركسي ، و اردت ان اطرح مادة نقدية تعطي الاولوية للحقائق التاريخية بعيدا عن الاباطيل و الكذب و الجهل و الافتراء. و لا يسعني في هذا المقال القصير ان ارد على كل ما قيل في كتب العقاد ، لكن سأحاول أن اظهر الحقائق و ارد على اهم المغالطات ، و الغرض هنا التصحيح لايدلوجية لعبت دورا جوهريا في تاريخ الانسانية. مع العلم ان محمود عباس العقاد كان اهم مدخل بالنسبة لي: للقراءة و البحث و الاطلاع ، و كان ناقدا بارعا في الرد على خصومه ، الا انه ايضا لم يكن رمزا مقدسا و لا كاتبا معصوما ، و بغض النظر ما اذا كانت كتب العقاد هي تشويهاً متعمدا او مغالطات من دون قصد ، فهذا لن يغير من غاية البحث و اهمية المصداقية الموضوعية في الطرح الذي اتبناه.

لكن لماذا الدفاع عن ماركس بالذات ؟ هل عبقرية ماركس وصلت الى حد استثنائي؟ في الحقيقة ان عبقرية ماركس مشابهه الى حد كبير عبقرية الكثير من الفلاسفة من ناحية القدرة على البحث و النقد و طرح الحلول في مسائل فلسفية معقدة. الا ان ما يميز ماركس هو انه لم يكن يطرح افكاره بطريقة بحته و لا في الخوض في مسائل فكرية بطريقة مجردة و لا حتى في حلّ المعضلات الفلسفية بدون العودة الى الواقع الاجتماعي الذي نشأت فيه تلك الافكار. انه على عكس الفلاسفة السابقين ، يفهم الانسان و المجتمع لكي يفهم الوعي ، و ليس على العكس. و اختلاف عبقرية ماركس عن بقية الفلاسفة هو في تحويل الفلسفة من مجرد افكار حبيسة العقول الى تطبيق عملي للافكار الفلسفية ، اذن ماركس هو من اوائل الفلاسفة العمليين ، حيث قال انجلز في وصف الايدلوجية الماركسية: "ان الماركسية ليست دوغما ، بل هي جدول عمل" ، بما معناه: ان الفلسفة الماركسية ليست فكرة متحجرة بل هي فكرة تواكب الواقع المتغير و لها صلة وثيقة في فهم الكارثة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية التي تتسبب فيها الراسمالية ، و في دراسة التناقض بين المصالح في المجتمع نفسه و في المجتمعات الاخرى و تقدم دراسة علمية لآلية التغيير و تطرح رؤية جديدة لمجتمع افضل ، و لا يمكن تبني الماركسية بدون تطبيق لان هذا يتناقض مع مبادئ المنهج الماركسي. و لا يعود الفضل وحده لعقل كارل ماركس الذي استطاع ان يقتحم المجهول ، بل انها الحقبة الثورية المليئة بالتناقضات التي اثارت فضوله ، و الارث الثقافي و التطور الصناعي الذي خلفته الثورة الفرنسية و نشوء طبقات جديدة في المجتمع الحديث مما ادى الى نشوء جيل راديكالي في اوروبا. و كان هناك ردة فعل ضد النظام الجديد ، النظام الراسمالي ، و كان ايضا هناك عودة الى افكار التنوير في الجامعات ، حيث راجع برونو باور افكار هيغل و حوّلها الى نقد ليبرالي للمجتمع الالماني. كما ان ستراوس انتقد العهد الجديد من الانجيل مثل انتقاد فولتير للعهد القديم ، و فيوربارخ تبنى المنهج المادي في نقد سلطة الكنيسة ، و كارل جرون يحشد الاتباع و ينادي بأشتراكية حقيقية لتنوير الرجال من كل الطبقات للحصول على مجتمع افضل من الاقطاع و اكثر عدالة من الراسمالية ، ماركس و انجلز هما نتاج تلك الحقبة.[ii]




دفاعا عن صاحب المذهب:

استخدم العقاد منهج التحليل النفسي بطريقة عجيبة غريبة حتى على المدرسة الفكرية التي ينتمون اليها المحللين النفسيين ، حيث حاول العقاد ان يستخدم منهج التحليل النفسي في فهم شخصية لها اثر اجتماعي و سياسي بالغ الاهمية ، فكان الاسلوب هو اختلاق العلل النفسية بطريقة عشوائية. وفي دراسة الايدلوجيات السياسية يتوجب على المفكر ان يستند على علم الاجتماع و ان يبحث خلف الاسباب التي ادّت الى ظهور هذه الايدلوجية و اثرها في التاريخ. وكان نموذج التحليل النفسي يطرح اطروحات صارمة على حساب الظروف السياسية و الاقتصادية التي ادّت الى ظهور كارل ماركس بهذا المظهر الغير جذّاب في نظر مولانا العقّاد. فأخذ الكاتب يقتبس اقتباسات لا علاقة لها بسياقها التاريخي لانه يعتمد على التحليل النفسي بالدرجة الاولى لا على التاريخ و لا على علم الاجتماع ، فأصبح يختلق العلل الواهية و يغوص في اعماق شخصية يجردها تجريدا تاما من المجتمع الذي نشأت فيه ، فلا يهم في نظره الظروف التاريخية بل انه يحلل الشخصيات من منطلق اخلاقي كما لو ان الاخلاق مطلقة.  أن الاخلاق متحركة و متغيرة بتغيير الظروف الاجتماعية ، فليس من المنطق ان نقارن اخلاقيات الفراعنة بـأخلاق المجتمع المصري اليوم ، و ايضا ليس من المنطق ان نقارن بين اخلاق القبائل المشاعية البدائية بأخلاق المجتمع الذي نشأ فيه كارل ماركس. لو استخدم الكاتب نفس هذا المنهج مع كل الشخصيات التاريخية لوجد ان الامراض النفسية تسيطر على كل الشخصيات التاريخية بما فيهم الاتقياء و الصالحين ، لكن على المرء ان يفهم المجتمع الذي نشأت فيه هذه الشخصية قبل ان يتهمها بأي اتهام و الا لاصبحت هذه الاتهامات باطلة لانها لا تتفهم الحقبة الاجتماعية التي افرزت هؤلاء المفكرين. لهذا فأن العقاد كان على خطأ عندما تسائل: ما اذا كان "ماركس انسان صالح اخلاقيا في أي مجتمع كان؟!"[iii] ، لان هذا تسائل خارج عن السياق التاريخي!

و من الغريب ان العقاد متأثر بالفلسفة الالمانية الا انه لا يفهم اي شيئ عن تاريخ المانيا ، و لو كان يفهم شيئا عن تاريخ الالمان لأختلف الطرح في كتاباته. فقد وصف الكاتب ان ماركس كان "عاجزا عن العثور على عمل" ، و هذا صحيح ، لان ماركس كان من الهيجليين اليساريين في مقتبل عمره ، و عندما تخرج من الجامعة و اراد ان يصبح استاذا في احد الجامعات ، حينها وجد ان معظم اليساريين تعرضوا الى اقصاء و تم طردهم من الجامعات ، حيث تم طرد فيورباخ من منصبه عام 1832 ، و تم منع برونو باور من الاستمرار في التدريس في الجامعة في عام 1841 ، و تم اغلاق "الجريدة الريانية" التي كان ماركس رئيس تحريرها عام 1843 ، و امتنعت دار النشر عن اصدار كتبه ، و كان مطاردا منفيا ملاحقا من قبل السلطات بسبب نقده للاستغلال و القمع و الدكتاتورية. ذهب بعد ذلك الى باريس ، و تم نفيه منها بسبب افكاره الثورية ، فلم يكن ماركس كسولا و لم يتسكع في قائمة العاطلين عن العمل بسبب اختياره ، بل لقد عجز العقاد عن فهم الظروف السياسية في تلك الحقبة الثورية في اوروبا.

وقد اخطأ العقاد خطأً ذريعاً عندما اطلق على احد الكتب عنوان الشيوعية و الانسانية ، اين الانسانية في تهميش موضوع الفقر و التهكم على المرضى و الاستخفاف بحالات الوفاة المتكررة في عائلة ماركس. حيث قال العقاد ايضا ان ماركس لا يهتم بصحته بل و "يأكل بيض السمك" ، و يعاني من "اعتلال بنيته ينبئ عن وهن اصيل في التركيب"[iv] ، و كل هذا ينبئ في الحقيقة عن شخصية العقاد الساخرة من المرض و الساخرة ايضا من اصحاب الاعاقات ، فكان قاسيا حتى مع طه حسين و قال ان الناس دائما يتعاطفون مع اصحاب العاهات. بينما في الحقيقة ، عاش كارل ماركس حالة يرثى لها من الفقر المدقع ، و مع ذلك .. كافح بكل قواه و رغما عن المرض و الالم ، استطاع ان يكتب كتابات هزّت العالم و استطاع ان يشارك في تأسيس مؤسسات ديمقراطية تحارب النظام الراسمالي.

ويواصل العقاد الاتهامات الباطلة و حديثه الفارغ بخصوص عائلة ماركس و "عقدة الولد الاول - المدلل"[v] ، كما لو ان الابن الاول هو مشروع فاشل بشكل حتمي. و بعد كل هذا الهراء ، يرجع العقاد و ينتقد ماركس بسبب دينه اليهودي و هنا اصبح لكل ديانه نظره نفسية مختلفة عن الاخرى ، ثم يلوم والد ماركس انه غيّر ديانته و ديانة ابنه الى المسيحية من اجل المال ، فأصبحت عائلة ماركس على خطأ سواء كانت مسيحية او يهودية لان كلى الديانتين تعجّ بالعلل النفسية. و الحقيقة التي غابت عن مولانا العقاد ، هو ان والد ماركس لم يغيّر ديانته لسبب المال ، بل يجب ان نعود الى مجتمع ماركس كي نكشف الغطاء عن الاسباب الاجتماعية و السياسية التي ادّت الى هذا القرار ، ان اليهود كانوا محرومين من ممارسة المهن الاختصاصية بقرار من الحكومة الالمانية الرجعية ، فلم يكن والد ماركس قادرا على ان يتوظف في المحاماة بسبب انتمائه للدين اليهودي ، حينها اضطر ان  يتحوّل عن دينه اليهودي الى دين الدولة المسيحية ، و بغضّ النظر عن عمر كارل ماركس الذي يزعم العقاد انه كان ابن السادسة عندما تحول من اليهودية الى المسيحية ، و ان هذا ساهم في المزيد من الكوارث النفسية التي ظهرت بعد ان غيّر دينه. و لكن ما الفرق بين شخص يتم تهويده او تنصيره وهو في المهد او شخص يتم اقناعه و هو في سنّ السادسة ، و من المؤكد ان الكثير من الصحابة عانوا معاناة مشابهه عندما نشروا الدعوة في الارجاء المعمورة ، فهل قالوا: يجب ان نتوقف عن نشر الدعوة في القبيلة الفلانية لان عندهم اطفال ستتأزم حالتهم النفسية عندما يتم اقناعهم بأن لا جدوة من ديانتهم القديمة؟! بل وصل الحدّ بالعقاد الى الايمان بمنهج المؤامرة في التحليل ، فحتى لو ان ماركس انتقد اليهودية في مقال: "المسالة اليهودية"[vi] ، فيعتبر في نظر العقاد: مجرد تحايل ، بل انه يهودي حتى لو انكر يهوديته او انتقدها. بل ان التزوير و الجهل وصل بالعقاد ان حمّل ماركس ذنب انتحار بناته بسبب عنف والدهم الذي لا يعرف معنى الحب و العاطفة. هنا يجب ان نتوقف قليلا و نرد على هذه الاباطيل: ان بنات ماركس .. انتحروا بعد وفاة ماركس بعدة سنوات ، اما البنات الاخريات فمعظمهم وافتهم المنيّة في مقتبل العمر بسبب الامراض ، و احد بنات ماركس توفيت بسبب مرض السرطان ، و وصل الامر الى ان ماركس كاد ان يقفز الى القبر وهم يضعون جثة احد بناته الصغار ، و يتسائل بعدها العقاد اين الحب و العاطفة و الانسانية في حياة ماركس و انا اتسائل اين الموضوعية و المصداقية في طرح العقاد.[vii]

ومع ذلك ، لم تكن شخصية ماركس شخصية ملائكية و لا هي شخصية معصومة عن الخطأ ، بل كان رجلا ساخرا مشاكسا و خاض العديد من المعارك الفكرية خصوصا مع الطوباويين الاشتراكيين و الغوغائيين الاناركيين ، و هذه الجدالات الحادة لم يكن سببها "غرور و غيرة ماركس" على حد تعبير العقاد ، بل لان الماركسية منهجا متماسكا ، فلذا اخذ ماركس افكاره بجدية و تماحك مع المنظرين الثوريين من جهه و الاقتصاديين السياسيين من جهه اخرى ، و اختبر افكاره على ارض الواقع ، و انزل الفلاسفة من السماء الى الارض ، و قال: ان الفلاسفة فسّروا العالم بعدة طرق لكن على الفيلسوف الحقيقي تغيير العالم و ليس الاكتفاء بتفسيره"[viii]. فنقاش ماركس مع ويتلنج كان لسبب الدفاع عن اهمية النظرية العلمية لان العالم لا يتغيّره الشعارات و الهتافات بل ان مهمة الماركسيين هي دراسة التحولات و التغييرات الاجتماعية و تعميم تجارب التحرر و دراسة اخفاقاتها و اعتبار نجاحاتها كمرجع لتاريخ الصراع العمالي. ويتلنج لم يكن يهتم بالعلم بل انتقد المنظرين و النظريات ، و كان يراهن على الحركة الشعبية بمعزل عن النظرية العلمية بل و الادهى و الامر انه كان لا يعول على العمال بل يعتقد ان ليس بمقدورهم ان يهزموا النظام البرجوازي بل هذا مهمة النخبة في الدفاع عن مصالح الطبقة الكادحة و اختطاف السلطة من الطبقة الحاكمة. لذا عندما قال ويتلنج: "الطبقة العاملة لا تحتاج الى نظرية و لا الى منظّرين"[ix] ، رد عليه ماركس: "ان الجهل لم يسعف احدا قط" ، قال "الجهل"و لم يقل "الغباء" كما يزعم العقاد ، و لم يكن نقاشا شخصيا و لا كرها و لا حقدا ، لكن العقاد صنّف ماركس من اصحاب المكائد ، و هذا تسطيح للنقاشات الثورية الحادة في المؤتمرات العمالية. بل ان نقاش ماركس مع ويتلنج كان نقاشا بين من يؤمن بالثورة من الاعلى و من يؤمن بالثورة من الاسفل ، فماركس يؤمن بالثانية .. لان الثورة في نظره ليست مجرد الاطاحة بالسلطة و اختطافها من قبل اقليّة اخرى مختلفة عن الاقلية الحاكمة ، بل انه يؤمن بأن الثورة من الاسفل لا تغيّر المجتمع بأسره وحسب بل تغيّر الثائر الذي يجد نفسه في الثورة و يتعلم من الثورة نفسها و يطور افكاره و يتعلم السياسة بالممارسة. كما ان نقاشات ماركس مع باكونين و برودون كانت اكثر حدة ، و لكن كان كل ذلك ليس محاولة من ماركس للاستعلاء و الغرور و الازدراء ، بل هو دفاعا عن مصلحة الطبقة العاملة ضد اشتراكية البرجوازية الصغيرة او الاشتراكية الغير بروليتارية عموما[x]. يبدوا ان العقاد ليس على درايه الا ببعض الاقتباسات الخارجة عن السياق ، و يحللها بطريقة عشوائية و بمعزل عن الاحداث السياسية.

ان رسائل ماركس و انجلز تعتبر مصدراً هاما ، حيث تستعرض الرسائل بكل وضوح: حياة ماركس بين الحماس الثوري و نشاطه العملي من جهه ، و المرض و الفقر من جهه اخرى. و لكن على القارئ ان يقرأ الرسائل كاملة و ان لا يكتفي بأقتباسات العقاد المختصرة التي لا غاية لها سوى التشويه و التدليس و العرض المغلوط للحقائق. فصحيح ان انجلز غضب على ماركس بسبب بروده اتجاه خبر وفاة عشيقته ، مع العلم ان عشيقة انجلز لم تقبل حتى ان تصافح ماركس بل كانت علاقتها يشوبها التوتر و الكراهية. الا ان هذا ليس السبب خلف برود ماركس ، بل بسبب الكارثة المادية و الصحية التي كانت تتعرض لها عائلة ماركس في ذلك الحين. حيث قال ماركس لانجلز: "لي اكثر من اسبوع لا استطيع الخروج ، ملابسي بالية ، و لقلة المال لا استطيع ان اشتري لحم .. لا املك تكلفة العلاج و اصبح منزلي عبارة عن مستشفى!" ، و هذه ليست مجرد شكاية كما يزعم العقاد ، بل رسائل خاصة بين انجلز و ماركس.[xi] و اعتذر ماركس لانجلز ، و كانت تلك الحادثة هي الحادثة الوحيدة التي غضب فيها انجلز من ماركس. كان انجلز يدافع عن ماركس و يدعمه بالمال بستمرار ، و لو بحثنا في الرسائل لوجدنا ان غاية انجلز من العمل في مصانع والده هو ليس حب التجارة ، بل انها كانت الطريقة الوحيدة التي كان يستطيع فيها انجلز ان يدعم ماركس كي ينهي كتابه "رأس المال". و قال ماركس مدافعا عن حرية الكتاب و اهمية المال كوسيلة و ليس كغاية للكاتب: "يجب ان يحصل الكاتب على المال كي يعيش و يكتب ، لكن يجب ان لا تكون الكتابة غاية للتكسب و الحصول على الثروة". و عندما استطاع ماركس ان ينشر المجلد الاول من الكتاب ، باع انجلز حصته الذي ورثها من ابيه ، و قام انجلز بالرقص و الضحك و الغنا كالمجنون فرحا و احتفالا بالتخلص من اعمال التجارة ، و انتقل من مانشستر الى لندن ليسكن بالقرب من صديقه الحميم ماركس. و مع ان يوجد تناقض مخيف بين حياة الرجلين: ماركس و انجلز ، في مستوى المعيشة و حجم الثروة ، الا ان انجلز استخدم منصبه في شركة والده لدراسة ظروف الطبقة الكادحة ، حيث ان اول كتاب له كان: "احوال الطبقة العاملة في انجلترا" ، حيث قال في الكتاب: "هناك أناس صالحين لكنهم يعيشون في بيئة غير صالحة للمعيشة". و استمر انجلز في مشاريعة الثورية عن طريق دراسة الاقتصاد البرجوازي في الوحدة الانتاجية (المصنع او الشركة) و اخذ يقرأ بعض الاوراق المحاسبية لدى شركة والده كي يحسب فائض القيمة و كي يفهم حجم الاستغلال الذي يسيطر على الطبقة العاملة. بعد ذلك ، كان انجلز يتجول في الاحياء الفقيرة و يقابل العمال و هو متنكر و يحاول فهم مستوى الوعي العام و نشر الفكر الثوري ، و قد كان من اوائل المنظمين لاول نقابة بيريطانية بأسم مستعار. و ايضا لم تكن الرسائل عبارة عن اطروحات اخلاقية و لا تعتبر مصدر روحاني للباحثين حتى يصفها العقاد: "بالاعتلال الروحي". بل يوجد كثير من الحقد و الكراهية ، حيث صدق العقاد في ذلك التصور الضيق الافق. الا ان هذا الحقد لم يكن حقدا عاما ، بل كان حقدا طبقيا نابعا من منهج علمي في فهم الصراع الطبقي و نقد الاقتصاد السياسي. و الخلاصة ان العقاد لم يفهم اولا العلاقة و الغاية التي جعلت من انجلز ممولا لكتب ماركس الذي لم يستطيع الحصول على وظيفة من قبل الصحف و الجامعات بسبب افكاره الثورية ، الا في جريدة نيويورك تايمز لفترة وجيزة ، حينها كان انجلز يكتب معظم المقالات بدلاً من ماركس و ذلك بسبب ضعف ماركس في اللغة الانجليزية في تلك الحقبة ، مع العلم ان ماركس اتقن الانجليزية و الروسية في السنوات الاخيرة من حياته.[xii]

و لم اقرأ تحليلا ضعيفا مثل تحليل العقاد بخصوص المسالة الوراثية ، و انتقاد الديانة اليهودية بأنها تحمل صفات وراثية معينة ، وهذا نقدا تعيسا يعج بالمغالطات ، حيث لا يوجد خصائص وراثية تتعلق لا بالمسلم و لا بالمسيحي و لا باليهودي. فلا اعتقد ان الديانه اليهودية هي احد الاسباب التي شكّلت شخصية ماركس ، مع العلم ان ماركس اغترب اكثر من مرة في حياته: الاولى عندما عاش يهوديا في صباه في المانيا ، و الثانية عندما اصبح شيوعيا مطاردا من قبل الحكومات الاوروبية. و عندما كان ماركس يهودي في صباه كتب مقالا في المدرسة: " لا يسعنا ان نتخذ المهنة التي نحسب انها تناسبنا. لان علاقاتنا في المجتمع تبدأ بالتبلور الى هذا الحدّ او ذاك قبل ان نحتلّ ذلك الموقع الذي يتيح لنا ان نبلور هذه العلاقات". فقد شعر ماركس بالاغتراب اليهودي في سنّ باكر ، و حاول ان لا ينتقد هذا الاغتراب المسيس عن طريق الاستناد للدين اليهودي نفسه ، بل عن طريق فهم التاريخ و فهم العلاقات الاجتماعية التي تحدد مجرى التاريخ. اما بخصوص ان اليهودية تلك الديانة التي لا تخلوا من العقد النفسية و الحقد و الكراهية ، فهذه كلها اباطيل لا تستند على منهج علمي في فهم ثقافات و اديان الشعوب. حيث قال المسيري في تحليله للمسألة اليهودية: "ان الحديث عن اليهود بشكل عام او بأعتباهم كتلة متماسكة هو امر غير مجد ، واننا ما دمنا نستخدم نموذجا احاديا فلن نفهم شيئا. فنموذج الوحدة يجعلنا نبحث عن عناصر التجانس بين اعضاء الجماعات اليهودية و نهمل عناصر عدم التجانس ، على حين وجدت ان اليهود هم جماعات يهودية وان ما هو غير مشترك بين هذه الجماعات هو اهم بكثير مما هو مشترك ، فكل جماعة تستمد خطابها الحضاري من مجتمعها التي تعيش فيه ، فيهود الولايات المتحدة ليسوا يهود بشكل عام انما هم امريكيون يهود ، و الفلاشاة ليسوا يهود بشكل عام و مطلق وانما هم متأثرون في الخطاب الحضاري في اثيوبيا. لذا ارى اننا في دراستنا للجماعات اليهودية يجب ان لا تكون نقطة البدء التوراة او التلمود او التاريخ اليهودي و انما المحيط الحضاري التي تعيش فيه هذه الجماعات"[xiii]. فيهودية عائلة ماركس ليست يهودية بشكل عام ، لكنها يهودية الالمان في القرن الثامن عشر. و لا يوجد يهود اشرار بشكل عام ، و لا يوجد يهود مضطهدين بشكل عام ، و الديانة لا تحمل خصائص وراثية خاصة.

ان ضعف التحليل الفلسفي عند العقاد هو بسبب ضعفه في فهم التاريخ ، و في فهم المجتمع الذي نشأ فيه ماركس ، فكانت لدى العقاد محاولات كثيرة في تشويه الماركسية ابتداء من تسميتها "مذهب" ، و الماركسية ليست مذهب او دين ، بل هي منهج علمي يستند على دراسة التاريخ المتغير و طرح نموذج للتحرر من اغلال المجتمع الراسمالي. فمن المهم جدا ، ان يتطرق أي ناقد لهيغل ، فمن فهم هيغل يستطيع الناقد ان يفهم ماركس ، فالعقاد لم يتطرق لا الى هيغل و لم يفهم الديالكتيك. بل استند على مراجع مضلله ينتقد فيها هيئة ماركس و سلوكياته ، و اخذ يتحدث عن مواضيع بخصوص الاكل و النظافة ، و اهمل المادة العلمية التي تحظى بها الايدلوجية الماركسية. و انا اريد ان استشهد بأحد المرافقين لماركس عندما وصف ماركس و هو انينكوف: "لقد كان لدى ماركس طاقة عجيبة و عزيمة و قدرة على الاقناع. على الرغم من هيئته الملفتة للنظر من حيث كثافة الشعر و المعطف المتداخل الازارير الا انه احد الاشخاص الذين عندما تراهم لا تستطيع الا ان تحترمهم." و هذا نفس الشخص الذي اقتبس منه العقاد في الحديث عن ما جرى بين ماركس و ويتلنج ، و وصفه العقاد بالاستعلاء و الغرور ، و اقتباسات العقاد اصبحت مألوفة بطابعها المغلوط. بل من اقوال ماركس في الرد على ويتلنج: "ان الثوري الذي لا يقدم مادة علمية او نظرية منهجية هو اذن يؤمن بأن الثورات يجب ان يقودها مجموعة من الوعاظ او الانبياء".

بل و ذهب العقاد ابعد من ذلك ، في التأفف من ماركس الشاب الذي لا يلهو بل يعيش في غرفة مغلقة مليئة بالكتب و تستهويه السياسة و لا يستهويه المرح و حب الحياة. و عندما تحدث عن ماركس الجامعي ، عاد العقاد متأففا من لهو ماركس في الحانات. فلا ادري ، ان قلنا ان ماركس لا يلهو ، قال العقاد ان لديه مشكلة نفسية لانه غير محب للهو ، و ان قلنا بأن ماركس يلهو في الحانات الصاخبة ، اذن اصبح ماركس ايضا على خطأً ، فيبدوا لي بأن لا احد يستطيع ان ينجو من نقد العقاد ، لان ماركس منتقد في كل الحالات. فلقد وصلت الشخصنة الى حد ان العقاد اخذ يحلل ما اذا كان ماركس يستنزف اهله ماديا في شبابه عندما كان جامعيا ، و ما اذا كان يزعج والديه بتغيير التخصصات ، كل تلك الاتهامات هي مضيعة للوقت. لان هذا كله نتاج الحقبة الرومانسية و اثرها على الالمان ، نشأ جيل من الرومانسيين ، يقدرون اللهو و لا يضربون حسابا للمال ، و كان ماركس في حياته هو نتاج لتلك الحقبة و لم يكن شابا متفردا في الحانة او في المكتبة ، بل هذه حياة الالمان في القرن التاسع عشر.



[i] هذه الكتابات هي جزء من مجلّد العقائد و المذاهب ، و لها اهمية كبيرة في ارشيف العقاد
[ii] تاريخ البشر في العالم ، كريس هارمان ، ص 327
[iii] الشيوعية و الانسانية ، العقاد ، ص 33
[iv] الشيوعية و الانسانية ، العقاد ، ص 32
[v]  الشيوعية و الانسانية ، العقاد ، ص 32
[vi] المسألة اليهودية ، كارل ماركس ، عام 1843
[vii] رأس المال ، فرانسيس وين
[viii] ماركس: الرد على فيوربارخ
[ix] الافكار الثورية لدى كارل ماركس ، اليكس كالينيكوس
[x] كارل ماركس: سيرة مختصرة ، لينين
[xi] الشيوعية و الانسانية ، العقاد ، ص 39
[xii] http://www.marxists.org/archive/marx/letters/date/index.htm
[xiii] اليهودية و الصهيونية ، عبد الوهاب المسيري
[xiv] نفس المرجع السابق.
[xv] الادب ، امبيرتو ايكو ، ص 24
[xvi] القوطية هي الـ Gothic ،
[xvii] الادب ، امبيرتو ايكو ، ص 27
[xviii] لقد علّق انجلز على ذلك: "كل مجتمع ما عدا المشاعية البدائية" ، ثم اوضح ذلك في ملاحظة للطبعة 0الانجليزية عام 1888:" كان تاريخ النظام المجتمعي، الذي سبق التاريخ المكتوب كله، أي غير التاريخي، مجهولا تقريبا. ومنذ ذلك الحين (منذ عام 1847)، اكتشف هاكستهاوزن الملكية العامة للأرض في روسيا، وبرهن ماورر على أن هذه الملكية كانت الأساس المجتمعي الذي خرجت منه تاريخيا جميع القبائل الألمانية، ثم تبين تدريجيا أن المشاعية الريفية، مع الملكية الجماعية للأرض، كانت الشكل البدائي للمجتمع، من الهند إلى ايرلندا، وأخيرا تم الكشف عن البنية الداخلية لهذا المجتمع الشيوعي البدائي، بشكلها المميز، من خلال الاكتشاف المجيد لمورغان: اكتشاف الطبيعة الحقّـة للعشيرة (BENS) وموقعها في القبيلة. وبانحلال هذا المتحد البدائي يبدأ انقسام المجتمع إلى طبقات متمايزة تصبح، في النهاية متعارضة"
[xix] البيان الشيوعي ، كارل ماركس و فريدرك انجلز ، ص 1
[xx] كارل ماركس: سيرة مختصرة ، لينين ، ص 8
[xxi] البيان الشيوعي ، كارل ماركس و فريدرك انجلز ، ص 9

اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في أميركا

من يسيطر على الاعلام السعودي؟؟



"أن الأسرة المالكة تسيطر بشكل شبه كليّ على ملكية وسائل الاعلام وبدوافع ربحية وسياسية, وأنه لأجل هذا ثمة رقابة ذاتية كاملة عليها. وكشفت الوثيقة أن وزارة الداخلية تضطلع بمهمة مراقبة الصحافيين السعوديين ومعاقبة الذين لا يمتثلون لتوجهات الحكومة وسياساتها, وأن موافقتها تعتبر شرطاً أساسياً لتسلم المواقع التحريرية الرئيسية في الصحف. وقالت الوثيقة أن الصحافيين السعودية لديهم الحرية في كتابة ما يشاؤون بشرط عدم “نقد العائلة المالكة، أو الكشف عن فساد الحكومة “ وأن الصحافيين المتمردين يتم استدعاءهم من قبل لجان تتبع وزارة الداخلية في مختلف المناطق, ومن ثم التحقيق معهم لمعرفة مسببات ودوافع كتاباتهم." ويكيليكس *



ان العلاقات الاجتماعية المتناقضة في ظل الملكيّة الخاصة تفسّر دور الصحف المتخاذلة ، فالذي يمتلك الثروة و القرار السياسي و الاقتصادي هو ايضا من يمتلك الاعلام و يهيمن على الرأي العام بشتى مغالطاته و اكاذيبه. الكل يعرف من يمتلك هذه الصحف و مصالح الملاك مع العائلة الحاكمة ، فعلى سبيل المثال .. وليد البراهيم يمتلك قناة ام بي سي (mbc) و يشاركه في ملكيّة القناة الامير عبدالعزيز بن فهد ، و ايضاً احمد العطّار كان يمتلك صحيفة عكاظ و في نفس الوقت كان مستشاراً بارزا في الديوان الملكي. تركي السديري هو رئيس تحرير جريدة الرياض و تربطهم قرابه وثيقة في النسب و علاقة تاريخية قديمة مع العائلة المالكة. احياناً تكون ملكيّة الصحف نتيجة حتمية لتحالفات بين رؤس الاموال و العائلة المالكة ، و في حين آخر تتحوّل الى ملكيّة مباشرة من قبل العائلة المالكة التي استحوذت على جزء كبير من رؤس الاموال ، فعلى سبيل المثال الامير خالد الفيصل يمتلك صحيفة الوطن و الوليد بن طلال يمتلك قناة روتانا و الامير سلمان و الامير خالد بن سلطان يستحوذون على بقية الصحف السعودية. لذلك لا يوجد ادنى حيادية في الاعلام المحلي الذي يستوجب التكتيم و التدليس بخصوص مواضيع الفقر و البطالة من جهه و بخصوص ثقافة المقاومة و المواجهه من جهه اخرى. و خير دليل على ذلك ، هو عندما تم اخفاء الكثير من الحقائق بخصوص الاضرابات و المظاهرات ، او احيانا يتم طرحها بطريقة مشوهه مثل ما تم اخفاء بعض الشعارات المكتوبة في صورة مظاهرة المعلمات ضد وزارة التعليم في شهر ابريل الماضي **. و تستخدم وسائل الاعلام العديد من الخرافات و الاكاذيب و يتم بثّ الرعب في الشارع بخصوص الخطر الايراني المزعوم لأجهاض اي تحرّك ثوري لتغيير النظام بحجة ان هناك خطر خارجي و ان اي مظاهرة سلميّة ما هي الا حركة مدعومة من قبل قوى خارجية. و بهذه الطريقة يتم تأجيل اي مسعى للتغيير , و لكن المظاهرات في المنطقة الشرقية مازالت مستمرة تضامنا مع البحرين و ايضاً حركة المنسيين تزداد قوة يوما بعد يوم للمطالبة بأفراج كل الاسرى المعتقلين. و من الاوهام الرائجة في الصحف الرسمية هو تصريحات المسؤلين بخصوص تدخلات ايران في شؤن الدول المجاورة بينما في نفس اللحظة كانت السعودية تتدخل في شؤن ثلاثة دول في نفس الوقت: اليمن و البحرين و لبنان. و تم تلفيق التهمة المفتعلة بخصوص محاولات قتل السفير السعودي في امريكا بينما ايران لو كانت تود فعل ذلك لفعلته في الكويت او البحرين ، لكن ربما هذا من باب التحضير لحرب جديدة تحتاج الى دعاية مختلفة عن دعاية اسلحة الدمار الشامل. و كل هذا يصبّ في مصلحة الطبقة الحاكمة التي تستخدم هذه الاكاذيب في تعزيز تحالفاتها مع الولايات المتحدة من جهه ، كدعم للحرب المفتعلة على الارهاب و ما هي في الحقيقة الا ارهاب الحكومات ضد شعوب المنطقة. هذا الكم الهائل من البروبجندا و هذه الاكاذيب هدفها هو تقسيم الشارع السعودي و تأجيج الطائفية تحت مبدأ "قسمهم ثم احكمهم" ، و هي نظرية سياسية معتمدة من قبل الحكومات في الحقبة الرأسمالية. و الطائفية تخدم سوق العمل الذي يوفّر العمال الشيعة بأدنى الاجور للطبقة البرجوازية المستفيدة من تقسيم العمال و ايضا المستفيدة من العنصرية ضد المرأة و ضد الاجانب ، لتحقيق معدل ارباح اعلى. و يتم الحديث عبر وسائل الاعلام عن الوطنيّة ، وهو مصطلح مزيّف لتضليل المتلقي عن مواجهة الحقائق المرعبة في روتينه اليومي ، بينما الحقيقة هي ان الوطن ليس للجميع ، و لم يكن يوماً للجميع .. فالجميع يعيشون في ظروف متباينة تحت سيطرة الاقليّة بكل مؤسساتها القمعيّة. فقد يرسب احد الاطفال الصغار في المدرسة ان لم يجيب على سؤال في مادة التوحيد: من هم الفئات الضالة - التي تنتمي الى هذا الوطن الكبير بكل فئاته و طوائفه؟؟ و قد يرسب طفل آخر في مادة الوطنيّة ان لم يمجّد النظام الذي تم بنائه على نُظُمْ الاستلاب و الاستغلال و الاستبداد ، و قد يرسب احدهم في مادة التاريخ اذا لم يكن من المقتنعين بالتاريخ الحكومي بكل اكاذيبه ، و قد يرسب ناشط حقوقي في مدرسة الحياة اذا انتقد القضاة و قد ترسب امرأة اذا حاولت ان تقود سيارة و قد يرسب العديد من الموظفين اثناء الاضرابات العمالية للمطالبة بالحقوق - اذا تدخّل البوليس و كتب المحضر و أُغلقت القضية بعد طردهم من العمل. قد تنتهي الحياة الزوجية لمرأة في ثواني بعد الطلاق و قد لا تحصل هي على الخلع الا بعد سنوات من المماطلة. و قد تُسجن في هذا الوطن الجميل من دون محاكمة ، و قد تُرمى بالرصاص اثناء مظاهرة ، و قد تُغتصب امرأة و تتهم بنفس الوقت بالخلوة الغير شرعيّة بدل من استرداد حقوقها و كرامتها. هذا الوطن الجميل .. هذا الوطن المليء بفائض مخيف من الثروات: يعيش فيه 4 مليون تحت حد الفقر و مليونين عاطل عن العمل و نصف المجتمع يعيشون بأجور زهيدة و لم يبقى بعد ذلك الا قلّة تستحوذ على ثروات الوطن و تستحوذ على القرار السياسي و الاقتصادي و ايضا للأسف تستحوذ حتى على الوطنيّة الغير خاضعة للمسائلة. ان الحلّ هو ليس في احتكار الصراع في دائرة الوطن ، لأن الصراع ذو طابع عالمي و طبقي ، و هناك مصالح مشتركة بين الطبقة الحاكمة الوطنيّة و الطبقات الحاكمة خارج الوطن. كما ان هناك في المقابل مصالح مشتركة بين الطبقات الكادحة في الوطن و الدول المجاورة. أن تغيير و تصحيح الوهم الوطني المتفشي في البيانات الحكومية هو في التضامن في مواجهات مباشرة مع كل المضطهدين من ابناء هذا الوطن ضد الذين يتسببون لهم الاضطهاد ، و الفرد لا يجد نفسه و لا يحصل على قوته الا من خلال التحرّك الجماعي و مواجهة النظام ، اما الانتظار .. فلن يأتي بنتيجة ، لأن التغيير الحقيقي لا يحدث الا بالقوة ، لكن هذه المرة نتكلّم عن قوّة الاغلبية في مواجهة الاقليّة و ليس العكس كما هو موجود الآن.


ولا يمكن ان نستنجد بنفس الرجل المسؤل عن كل هذه الازمة ، فالملك عبدالله (وفقه الله و رعاه) لم يفعل شيء عندما زار الاحياء الفقيرة برفقة علي النملة بل اصدر قرار طرد الوزير من منصبة بحجج تافهه. ان الفقراء لن يحصلوا على حقوقهم عن طريق صحوة الملك و ردة فعله ضد الوزراء او ما يسمى بـ "البطانة الفاسدة"  ، بل كل هؤلاء محسوبين و معينين بقرار ملكي ،  يخدمون مصالح الطبقة الحاكمة. ان الفقراء لن يحصلوا على حقوقهم الا اذا نظّموا انفسهم و خاضوا صراعاً احتجاجياً ضد النظام ، و ان مهمتنا كمثقفين ان نعمم الصراع الى كل القطاعات المختلفة ، فيجب ان يتعلم الكل من تجربة النضال و الاحتجاج الذي يقوم بها هؤلاء المحتجين ، و يجب دراسة الاحداث و اعطاء الناس منهجا للتحرر ينبعث من تاريخهم و صراعهم و واقعهم. فكما قال ماركس: "المعلمون يحتاجون الى تعليم" ، بما معناه: على المثقف ان يثقف نفسه عن طريق العودة الى تاريخ و معاناة المهمشين و المضطهدين و ان يواجه الدعاية الحكومية بالنقض و النقد بمنهجيّة علميّة ضد المؤسسات الاعلامية ، فالانتصارات لا تتحقق برفع الشعارات و حسب ، بل لا يوجد ثورة ناجحة من دون نظرية ثورية ناجحة ، فلا بد من وحدة المنهج مع التطبيق.



* ويكيليكسوثيقة الصادرة من السفارة الأمريكية في الرياض بتاريخ 11 مايو 2009
** http://alasmari.wordpress.com/2011/04/19/rad1/