الاثنين، 31 أكتوبر 2011

يا فراس بقنه .. فعلاً ملعوب علينا !



- الافلام القصيرة:


أن فراس بقنه و افلامه القصيرة هما انعكاس لتطلّعات الشباب لمجتمع افضل و هي محاولة جادة لتسليط الضوء على المشاكل الاجتماعية التي لم يستطع الاعلام الرسمي ان يعرضها للمتلقي ، بل حتى عنوان هذه السلسة من الافلام القصيرة هو عنواناً لاذعاً: "ملعوب علينا" ، اي يعني: اننا ضحية بروبجندا اعلاميّة و لن نرضى بستمرار الخداع و الاكاذيب من قبل المؤسسات الحكومية التي تحاول اقناعنا بأن الوطن هو رمز الامن و للآمان و الاستقرار الاجتماعي - و ان مشكلة الفقر و البطالة هي مشكلة مؤقتة او غير موجودة! و هذا الفلم لم يكن التحدي الاول من نوعه ، بل هناك عدد من الافلام القصيرة التي انتجها الشباب بتقنية عالية و افكار نقيضة للأعلام الرسمي الذي اصبح يتناقض مع الحقائق و التجارب اليوميّة للأغلبية الكادحة. و كانت الحلقة الرابعة من هذه السلسلة هي القشّة التي قصمت ظهر البعير و ادّت الى اعتقاله مع فريق العمل ، لأنه تحدّث عن الفقر و سلّط الاضواء على المناطق المهمشّة في الرياض ، و بدأ الحلقة بعبارة: "حنا بخير؟" ، و هي ردّ على تصريح الملك عبدالله بعد عودته من العلاج: "دام انكم بخير .. انا بخير" ، التي تحوّلت الى دعاية ملكيّة لتكريس ثقافة الأبوّه الوهميّة و تضليل الوعي العام ، و هنا تسائل فراس بقنه عن اوضاع الاغلبية من سكّان هذا المجتمع: هل نحن فعلا بخير؟؟ هل اهل الجرادية بخير؟؟؟ و كان ردهم واضحا فاضحاً لكلّ الجهات الرسميّة: "حنا مو بخير!" ، و تحدث فراس عن نقطة بالغة الاهميّة بأننا لسنا بلد مثل الصومال ، بل نحن السعودية ، و هنا يقصد بأننا نعيش في دولة تملك من الفائض ما يتجاوز الترليون ريال سعودي ، و هذا المعلن فقط ، و ان الميزانيّة السنوية المعلنة تتجاوز الـ 500 مليار ، مع ذلك يوجد 30% من افراد المجتمع تحت حدّ الفقر ، و 10% من عاطلين عن العمل ، و بقيّة الموظفين يعيشون بؤجور شحيحة الى درجة ان معدّل الرواتب هو اقلّ من 4 الالاف ريال فقط. كل هذه الحقائق ساهمت في خلق جيل جديد ، لم يعد مقتنعا بفكرة الانتظار الى اجل غير مسمى حتى يتم حلّ هذه القضايا الاجتماعية عبر الاعلام الرسمي و المسؤلين البيروقراطيين ، بل يريد الحقيقة بدون اي لفّ و دوران: "اي تذهب اموالنا؟" ، لماذا نعيش في ظل هذه الظروف البائسة فيما يعيش غيرنا في ظروف جيدة؟؟ لماذا هناك مناطق مهمّشة و مناطق اخرى تعيش في قمة الرقي و الحضارة؟؟ و كل هذه التساؤلات التي اصبحت حديث الكثير من الناس دفعت بفراس بقنه الى التجوّل الى الاحياء الفقيرة بالرياض و محاولة تصوير مظاهر الفقر عن طريق الالتقاء بالفقراء و التجوّل في مساكنهم الآيلة للسقوط و النظر في مخزونهم الغذائي و الحديث معهم عن احتياجاتهم و مشاكلهم ، و لخّص الحلول في العمل الخيري و التبرّع للفقراء من قبل المؤسسات الخيرية و عمل استطلاع لمعرفة احتياجاتهم كي يتم توفيرها لهم. 






- الحقائق الغير موجودة في الفلم:


أن الفلم نجح بكل جدارة في عرض احوال المهمشين و الفقراء الذين لهم الحقّ في ان يعيشوا حياة كريمة ، حياة بعيدة عن العوز و الجوع و الفقر. الا انه لم يعرض العلاقة المتباينة بين الفقراء و من يتسبب لهم في الفقر ، لأن الثروة لا يتم انتاجها من العدم ، بل ينتجها عمّال و موظفين صالحين لكنهم يعيشون في بيئة غير صالحة للمعيشة. لأن الانتاج في مجتمعنا اليوم لا يتمّ على اساس احتياجات الناس الذين هم في امس الحاجة للسكن و العمل و الغذاء و الرعاية الصحيّة ، بل يتم انتاج السلع و الخدمات بكل اصنافها على اساس الربح ، و يضطرّ التاجر للحفاظ على مستوى النمو في الارباح في ان يُبقي الأجور منخفضة كي يستطيع ان يواكب السوق الذي يتّسم بالتنافسيّة العشوائية و التي تؤدي الى ازمات اقتصادية متكررة. بينما مصدر رأس مال التاجر هو العمل ، و مصدر الربح هو العمل ايضاً ، لأن من دون العمل لا نستطيع ان نبني المساكن و لا المستشفيات و لا المدارس و لا الجامعات ، و التي كلها مؤسسات تعتاش على عملنا بعد ان يبيع العامل قوّة العمل للرأسمالي يصبح ضحيّة لكل الكوارث الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية. لذا اصبحت القرارات الملكيّة التي اتخذها الملك عبدالله بعد عودته من العلاج عن طريق صرف المليارات التي ذهبت الى مشاريع ضخمة لشركات المقاولات او دعم وزارة الداخليّة لتكريس الامن و الامان للملاك و المسؤلين و الامراء على حساب الفقراء و الكادحين. فيجب ان نتسائل: لماذا حنا مو بخير؟؟ لماذا هم فقط بخير ؟؟ كيف اصبحوا بخير؟؟ هم كذلك لأن النظام يكرّس الطبقية بوجودها المادي و الفكري ، و يتعامل مع الفقر كظاهرة طبيعية يستطيعون تقليصه عبر المؤسسات الخيرية ، الا ان ذلك ضرب من الخيال .. فهو مثل مجابهة نار تجتاح المدن بكأس نصفه فارغ و النصف الآخر تراب ، بينما هذه النار تحتاج الى تقنيات و اهواز ضخمة و هليكوبترات كي يتم القضاء عليها. أن المؤسسات الخيرية هي مجرّد ضمادات للجراح ، لكنها لا تمنع من حدوث الجرح ! فلو كانت هي الحلّ لتم القضاء على الفقر منذ زمن بعيد ، لانه حلّ بسيط و واضح ، بينما الحقيقة الغير معروضة و الغير قابلة للعرض هي كما قال برنادشو: "ان الاقتصاد هو اشبه بصلعتي  .. غزارة في الانتاج و سوأ في التوزيع!" ، لا يوجد حلّ من دون عدالة اجتماعية حقيقية و هي لا تأتي عبر مؤسسة خيرية ، بل يأتي عبر ثورة الفقراء ضد من يتسبب لهم في الفقر و التعاسة عن طريق الاضرابات العماليّة و الاحتجاجات ضد النظام و كل ذلك ليس غريبا على تاريخنا. فعلى سبيل المثال: مدينة الملك عبدالله المالية هي مدينة مجهّزة للبنوك ، في حين لا يوجد ادنى شحّ في البنوك و الشركات المالية التي اصبحت في كل شارع في الرياض. و البنوك و شركات المقاولات لا يستحقون الـ 100 مليار لتنفيذ هذه المشاريع في دولة يعيش فيها 6 مليون تحت حد الفقر و لا يملكون اصلا ارصدة بنكيّة. لكن لم تنتهي انتهاكات سلطة رأس المال عند هذا الحد ، بل ان عمال البناء هم من يبني هذه الابراج و هم ايضاً من يعمل بؤجور لا تصل الى الدولار الواحد لكل ساعة ، و يعيشون في ظروف قاهرة و تتأخر اجورهم بستمرار و يعيشون في مساكن ضيقة جدا ، لكنهم لم يقبلوا الاستمرار على نفس الروتين اليومي بل خاضوا صراعاً ضارياً ضد شركة بن لادن و تحولت الاضرابات الى مظاهرات و مواجهات مع رجال الأمن الذين لم يستطيعوا مواجهة الالاف من العمال. و اضطرت الشركة ان تصغي لهم ، و تحسّن ظروف المساكن و الأجور. و الاضرابات ليست حلاً لعمّال البناء و حسب ، بل ايضا حدث في العديد من القطاعات ، و منها قطاع الاتصالات و نجح الموظفين في تغيير الكثير من الظروف البائسة التي كانوا يعيشونها في ظل ارتفاع الاجور بنسبة 4% بينما التضخم يصل الى مستوى اعلى من الـ 10%.


أن مواجهة نُظم الاستغلال هو الحلّ ، و ليس عن طريق العمل الخيري. لأن الاضراب هو ليس فعل اقتصادي بحت ، بل يساهم في تطوير العامل و الموظف اقتصاديا و سياسيا. و يجعل السلطة تحت ضغط كبير عندما تتأثر قوة الانتاج و حينها يصبح القرار الاقتصادي و السياسي يثير تساؤلات العمّال نحو الحصول على سلطة ديمقراطية بيد الذين انتصروا على ارباب العمل و على اجهزة الدولة - و خصوصا الجهاز الامني الذي كان يشكل رعبا لكل من يطمح للوصول الى تغيير حقيقي. ايضاً يضعنا فراس بقنه نحو ضعف الاسلوب الفردي في التعامل مع المشاكل السياسية و الاقتصادية ، فيتم اعتقال الكتّاب و الفنانين بكل سهولة عندما يتحركون بطريقة فردية ، بينما الحركة الجماعيّة تُصبح اكثر قوة و فاعليّة في المطالبة بالحقوق.  






- لماذا تم اعتقال فراس بقنه:


في البداية كان سبب الاعتقال واضحاً ، لأن هذا الفلم يتعارض مع سياسة الدولة: "حنا بخير" ، بينما فراس بقنه يعرض سياسة مضادة: "حنا مو بخير!" ، و تم اعتبار هذا الفلم كنوع من الاستهزاء ضد التصريحات الملكيّة التي لا يُسمح لأي من كان بنقدها او التشكيك في مصداقيتها حتى و ان كانت غير صحيحة. لكن ظهرت بعض التصريحات من عدة مسؤلين بمحاولة لتلفيق تهمة لهم بأنهم على علاقة مع الفقيه و تم عرض المقطع في قناة الاصلاح. ولكن اين المشكلة في ان يُعرض في اي مكان؟ فربما نفس القناة عرضت مقاطع كثيرة حتى لتصريحات العديد من المسؤلين السعوديين بدون اذنهم هل هذا يضعهم في دائرة الاتهام؟! و لماذا لم يتم اعتقال بسمة آل سعود عندما ظهرت في قناة العالم التي تُعتبر قناة ايرانية معارضة لتوجهات الدولة؟؟ الاجابة واضحة .. ان الاجهزة الامنية هي ليست مسؤلة عن ملاحقة الامراء او كبار الشخصيات ، بل هي مسؤلة عن اعتقال الفقراء و الكادحين و بث الرعب في نفوسهم كي يخضعوا تحت سلطة النظام الملكي ، و ان فلم "ملعوب علينا" يضعنا امام الحدود الصارمة التي وضعتها الدولة في التعامل مع الاعلام سواء كان الكترونيا او رسمياً. و كيف نستغرب من سياسة الدولة و يتم ايقاف رسامين الكاركتيرات و تغريمهم بستمرار مثل المسيهيج و المزيني و الهمزاني ، فالسياسة التعسفيّة اتجاه حرية التعبير لازالت مستمرة اتجاه الفن و الفكر و الثقافة عموما ، و مع ذلك تحاول السلطة ان تقنعنا بأن هناك متسع من الحرية الا ان الايقاف و الاعتقال اصبح ظاهرة متكررة حتى في الصحافة الرسميّة امثال الرطيان و تركي الحمد و امل زاهد. أن سياسة الاعتقال و الحجب و الايقاف لن تولّد الا المزيد من الاحتقان الاجتماعي و ستؤدي الى لجوء الشباب الى وسائل اخرى ، خصوصا ان الثورات العربية جعلتنا نفكّر جديا في مستقبل هذا النظام الذي لا يلبي حتى ابسط احتياجات الناس مثل الغذاء و المسكن و العمل ، بل حتى الأمن اصبح غير موجوداً الا لحماية مصالح الاقليّة التي استحوذت على الموارد و القرار السياسي.






- الردّ على بعض الانتقادات التي تفتقر للموضوعيّة:
  
صرّح سعد الدريهم بأنتقادات غير موضوعيّة للفلم ، و وصفه بأنه "تصيّد و بُعد عن الواقعية". و يستند الدريهم في انتقاداته على ان تصوير المناطق الفقيرة هو نظرة فيها طابع التصيّد. بينما الحقيقة هي ان الجميع سأم من تصوير المناطق الثرية على وسائل الاعلام ، و الاحياء الفقيرة لم يرجع لها الملك من زيارته الاولى حين تسلّم مقاليد البلاد نظراً لأنها احياء مرعبة و غير مقبولة بل تعودنا على اكذوبة "بلد الأمن و الرخاء"! و لم يستمرّ الى هذا الحد ،بل استمر الكاتب في وصف هذا الفقر كظاهرة مفتعلة و ليس فقرا حقيقياً ، بينما بأمكانه ان يزور تلك الاحياء الفقيرة و يتأكد بنفسه ، و كما قال فراس بقنه: "لا تبعد هذه الاحياء اكثر من 5 كيلو متر عن وسط العاصمة" ، فلن يجد صعوبة في الوصول اليها. و بعدها حاول ان يتعامل سعد الدريهم مع الفقر كظاهرة طبيعية تحدث في كل مكان ، و في نفس الوقت قال ان الفقراء لا يشكّلون اكثر من 2 % ، و هذا يتناقض حتى مع الاحصائيات الرسمية التي تشير ان الفقر هو بين الـ 20 الى 30% ، و لا يمكن ان نتعامل مع الفقر كظاهرة طبيعيّة لسبب بسيط و مختصر: ان الفقر اليوم هو الاول من نوعه .. لأن لأول مرة يجوع الانسان في مجتمع فيه فائض من الانتاج الغذائي و فائض من الاسكان - خصوصا القصور و البيوت المهجورة ، و فائض من المستشفيات و الجامعات الخاصة. و بعدها يلوم الدريهم احد شخصيات فلم فراس بقنه لأنه متزوّج اكثر من زوجة و هو فقير - مع اني ضد تعدد الزوجات - الا ان هناك امراء من العائلة المالكة تزوجوا اكثر من 17 مرة و كل ذلك على حساب ميزانية الدولة ، بينما يتم لوم هذا الرجل على فعلته النكراء و الاثرياء مرفوع عنهم القلم. بعد قراءة بعض الانتقادات ذات الطابع الحكومي ، ضحكت و قلت كلمة فراس بقنه: فعلاً .. ملعوب علينا!!






- الخلاصة:


لقد تلقينا خبر الافراج عن الزميل فراس بقنه ببهجة و سرور ، لكن يجب ان لا ننسى بأن فراس لم يرجع من نزهة بل رجع من المعتقل ، و يجب ايضا ان لا ننسى بأن هذا النظام يعتاش على الفقراء و يعتاش على العنصرية و يعتاش على الاستغلال و الاضطهاد و الطائفيّة ، أن هذا النظام لم يولّد الا الخراب و الدمار للأغلبية المنتجة في مجتمعنا .. حتى حقبة الازدهار الاقتصادي كانت ايضا حقبة فقر و عوز و جوع للطبقة الكادحة. و يجب ايضا ان نتذكّر جيداً بأن هذا الفلم يكشف لنا الحرية الوهمية التي يتحدث عنها وزير الاعلام ، و يكشف لنا الفلم ايضا: حقائق عن الفقر المدقع في دولة تحظى بفائض ضخم من الموارد و الثروات.  لذا يجب ان نتذكّر اهل الجرادية ، و يجب ان نساعدهم و نتصدّق عليهم على حسب امكانياتنا المحدودة التي لا تُقارن بأمكانية الدولة التي تستحوذ على موارد و ثروات الاغلبية. لكن كما اسلفنا ، الحلّ ليس بيد الجمعيات الخيرية او القيام بأعمال من المفترض ان تكون مسؤلية الدولة ، بل ان الحلّ هو بيد الفقراء الكادحين الذين غيروا العالم العربي و اسقطوا الدكتاتوريات و طالبوا بالعدالة الاجتماعية في كل مكان. في ظل تناقض المصالح بين الطبقة الكادحة و الطبقة الحاكمة ، لن نستطيع ان نستمرّ في الانتظار الازلي ، بل ان هذه الحقائق تستوجب منّا الاحتجاج ضد النظام و التحرّك نحو عالم افضل و ممكن!


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق