السبت، 1 أكتوبر 2011

العهر في المجتمع الرأسمالي !





ان ضعف الايدلوجية الليبرالية في التعاطي مع حقوق المرأة يظهر جلياً في الخلط بين الحرية الجنسية للرجل في ان يصبح له اكثر من عشيقة ، و العاهرة المضطرة لممارسة الجنس للتكسّب!عندما نخلط بين التعدد الجنسي بين الجنسين و بين اللهو في متاجر العهر  - هو مثل الخلط بين الزواج و الاغتصاب!! بأختصار: العلاقة الغرامية تختلف كلياً عن العهر ، و الاغتصاب يختلف كلياً عن العلاقة الغرامية!


 ولن تتخلّص المرأة من اغلال عبوديّة تجّار العهر الا عن طريق الثورة على نُظم الاستغلال , الحقبة الثورية لا تحدث من تلقاء نفسها  ، بل يجب على الثوّار تهيئة الظروف الثورية! لا نستطيع تغيير النظام بصورة فردية عن طريق منبر او قلم واحد ، كما هو واضح في محاولات الليبراليين البائسة ، بل يجب علينا ان نسعى للاعتراض بطريقة جماعية! لأن السلطات تستطيع ان تقبض على شخص واحد ، لكن لن تستطيع ان تقبض على الملايين ، تستطيع السلطات ان ترفض مطالب شخص واحد لكن لا تستطيع ان تهمّش مطالب الملايين في الحركة الجماهيرية!!! وهذا ما حدث في ارامكو في الخمسينات ، عندما القوا القبض على ناصر السعيد مع مجموعة من العمال ، مالذي حدث حينها؟ حصلت اضرابات شاملة ، و اضطرت السلطات ان تُخرج كل المعتقلين و تحسّن من ظروف العمال و الاجور و المساكن – ولم تنحصر الحركة العمالية في المطالب المادية ، بل تحوّل الصراع الاقتصادي الى صراع سياسي ، فتم المطالبة ايضاً بتعليم المرأة و بأنشاء برلمان يمثّل الطبقة الكادحة.  فقبل الحديث عن ما يمكن و مالا يمكن فعله في ظل الحقبة الحالية يجب احترام الناس و فهم ظروفهم و احتياجاتهم ، وهذا الذي يعجز عن فهمه بعض المثقفين الليبراليين في اطروحاتهم النخبوية التي تنطلق من الفكرة بمعزل عن تاريخ المضطهدين و المهمشين في مجتمعنا. و ايضاً يجب فهم الاشكالية من الناحية العالميّة ، الاستغلال و التسلّط و الاحتلال و تجارة العهر هي اشكاليات عالمية ! فالعاهرات الروسيات و الاوربيات و الاسيويات في الشرق الاوسط يتمّ المتاجرة بهم من قبل متاجر يمتلكها رجال اثرياء ! فلا ترى ابنة وزير تمارس العهر و التكسّب في حي فقير من احياء المدن ، لان المسالة لها علاقة بوضع المرأة بالمجتمع الطبقي! وقد تُقابل عاهرة تتقاضى اضعاف عاهرة اخرى ، و هذا لا يعني بأن العاهرة الاثرى هي غير مستغلّة !! بل ان العاهرة الثريّة مستغلّة ، وهذا يذكرني بوضع الاداريين بالمجتمع الطبقي ، الاداريين مستغلين من قبل الطبقة الحاكمة و من قبل الطبقة البرجوازية ، الا انهم لا يعتبرون من الطبقة الكادحة ، ولا يمتلكون الدوافع الحقيقيّة للتغيير ، بل ان الاداريين يحاولون ان يحافظوا على مكانتهم الاقتصادية مثلهم مثل كل الطبقات الاخرى ، وهذا ما يميّز الطبقة الكادحة عن الطبقات الاخرى ، فعلى سبيل المثال .. البدو يريدونها ان ترجع على السيف و الناقة ، و الفلاحون يريدونها ان ترجع لأيام سلطة الاقطاع ، الا ان الطبقة الكادحة هي الطبقة الوحيدة التي تستطيع قيادة المجتمع الى التغيير الكلي و ليس عن طريق الحفاظ على مكانتها الحالية. لأن العامل يعتبر مستغلّ ، يعمل ساعات طويلة ، و لا يملك القرار في ادارة العمل ، و لا يتقاضى حقوقه كامله ، مالذي يحدد الوضع الطبقي؟! ليس المرتب فقط من يحدد انك كادح او لا ، بل ايضا هل تستطيع ان تحدد ظروفك العملية؟ هل تستطيع ان تحسّن ظروفك المادية بسهولة؟؟ لان الكادحين لا يستطيعون تغيير ظروفهم الا عن طريق الصراع ضد الاداريين و الملاّك! بينما الاداريين و البرجوازيين يحصلون على الاموال و الزيادات بسهولة عن طريق بروتوكولات اعتيادية ، فظروفهم مختلفة عن ظروف الكادحين! فلو عدنا الى نظرية فائض القيمة لوجدنا بأن العامل يبيع قوة العمل على ربّ العمل ليتقاضى اجر يومين بالاسبوع لكنه يعمل 5 ايام بالاسبوع! ينتج العامل 10 الاف جنيه لكن لا يحصل الا على 4 الاف بالشهر ، مع ان مرتبات الاداريين تصل الى 30 ضعف مرتب الفرد


لماذا؟؟ لان هناك طبقة راسمالية من البشاوات الذين لا يعملون لكن يقبضون حق الجميع ، وهذه هي فكرة الاستلاب! الاعتراض ليس فقط ضد الاستلاب ، استلاب الثروة و استلاب القرار ، بل ايضا هو اعتراض ضد الاغتراب الذي يعاني منه العامل! يخرج الموظف من العمل و يجد نفسه معزول و منفي عن القرار و السلطة ، بل ان السوق الرأسمالي ما هو الا انعكاس العمل الجماعي في الانتاج و مع ذلك يُعتبر العامل خاضع لقوانين الاسواق! في ظلّ عشوائيّة السوق يتم تسويق و تسليع الكثير من المنتجات من اجل الربح فقط و من دون النظر الى الحاجة ، و تجارة العهر تخضع لقانون التسليع ، من المستفيد هنا ؟! يُقال لنا بأننا نملك حرية الاختيار ، كما يزعم الليبراليين الذين يؤمنون بتكافئ الفرص في النظام الراسمالي ، و ايضا  يُقال لنا بأننا ندير حياتنا بأرادتنا ، ونعيش برفاهية نسبيّة ، لكن المستفيد الحقيقي من استغلالنا هو من يدير حياتنا !

من يدير حياتنا هم الطبقة الراسمالية التي لا تنطبق عليها نفس القوانين التي تنطبق علينا ، بل ان هيئة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجيش و الشرطة و القضاء و القانون - كل هذه المؤسسات تستهدفنا! في النهاية يجني الراسمالين ثمار المشكلة الانسانية التي نعاني منها و تعاني كذلك العاهرة منها: الارباح هي ثمار الاستغلال!



أن سياسات الدول الراسمالية انتهجت اسوأ الحلول في التعامل مع تجارة العهر ، الحلّ الاول هو تجاهل القضية و اعتبارها بأنها غير موجودة ، و هو اسلوب مثالي في التعاطي مع الازمات ، فالطبقة الحاكمة عاشت سنوات طويلة تروّج للطبقة الكادحة عبر وسائل الاعلام بأن الفقر و البطالة و العهر هي امور غير موجودة في وطننا الغالي. و هنا يتمّ تجاهل المشكلة و تجاهل الحلّ لهذه المشكلة ، بل ان الطبقة الحاكمة تُحمّل المجتمع المسؤلية ، و كيف يتحمل المجتمع المسؤلية و هو منفي و مهمّش عن اتخاذ اي قرار سياسي؟! الحلّ الآخر هو تجريم و ملاحقة العاهرات و هنا يفتح المجال الى تجّار العهر السري ، و هنا لا تستطيع العاهرة ان تحمي نفسها قانونيا لأنها غير معترف فيها بل القانون يجرّم عملها ، فأذا قُتلت العاهرة الفقيرة لا احد يسأل عن القاتل او يحقق في الموضوع و كأنما هي ليست جزء من البشرية ، بل تدعم سياسة تجريم العهر نظرة احتقارية و دونيّة للمرأة بشكل عام ، و محاولات خلق ثقافة الشكّ و الريبة من اي امرأة ، و هذه السياسة تُستخدم حتى مع الاقليات و الطوائف الدينية المختلفة في السعوديّة. فيتم التشكيك بمواطنة الشيعة ، و كل ذلك يحدث بهدف تفكيك المجتمع و اثارة نزعة التنافر بين الجنسين و الطائفتين كي يتمّ التحكّم و السيطرة على المجتمع بشكل اسهل و اضعاف اي محاولة للتنظيم او لخلق بديل للنظام الحالي. أن تجربة بنت القطيف هي تجربة بالغة الاهميّة في فضح النظام الطائفي و العنصري ، فهو يحاكم امرأة أُغتصبت بتهمة الخلوة الشرعيّة ، و يالها من تهمة ، بل هي محاولة تعزيز الرعب و الذعر في نفوس النساء من الحرية و الاستقلالية ، و هو ايضا يكشف لنا مدى طائفيّة الدولة و استبدادها ضد الجنس الآخر.


في الختام ، العهر ليس اقدم مهنة في التاريخ ، فلقد كان الانسان البدائي منهمك في مهن اخرى ، مثل الصيد و جمع الحطب ، لكن بعض المؤرخين يمارسون التزوير و الترويج لأكاذيب تجلب الاثارة للرجل الحاكم الذي يمارس العهر السياسي و الاقتصادي على مدى عقود طويلة. أيضا العهر مختلف تماما عن الحرية الجنسيّة ، و الخلط بينهما هو ظلم للمرأة ، بل أن العهر لا يحدث بسبب رغبة عارمة لممارسة التكسّب الجنسي ، بل هي نتاج اغتراب المرأة في المجتمع الطبقي و تسليعها على يد ارباب العهر ، فالحريّة بالنسبة للمرأة هي ان تعمل و تنتج و تشارك في بناء المجتمع لا ان تعيش في رعب دائم بين تجار العهر و ملاحقة السلطات. لن تجد المرأة نفسها الا في ظل الحركة الجماهيرية و المطالبة بالحقوق ، فلقد اصبحت المرأة اليوم اكثر وعياً من السابق ، و شاركت في عدة مظاهرات سواء كانت مظاهرات في وزارة الداخلية او امام وزارة التعليم او في جامعة الاميرة نورة او في المنطقة الشرقية. المرأة اليوم اكتسبت خبرة نضالية يجب ان نستفيد منها و ان نشجّعها و ان نتضامن معها ،  ولن نستفيد من التسويق لأفكار خارج عن تجربتها التاريخيّة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق