الفصل الاول:
مريم امرأة حبلى في وسط القارة الافريقية ،
هاجرت من زمن الحرب ، من زمن الخوف ، من زمن العشق ... متجهة الى مملكة العدم!
تتوه في الصحراء بأتجاه نخلة ، تسابق الزمن الى ان اتاها المخاض
وصلت الى النخلة فهزتها بعنف:
مريم: آه ... يا الله !
النخلة: ربنا ياحبيبتي اكثر وسامة منا ، والتعامل مع الطبيعة بعنف لايجدي نفعا!
مريم: اريد ماء ، اريد رطبا ... اريد ماااااء!!
النخلة: انتهى موسم الرطب ياعزيزتي ، والماء بأغسطس هو حلم الادباء بالاتوبيا: الحلم المستحيل!
مريم: يا الله ... لا تدعني احتضر!!
النخلة: الاباء في افريقيا مشاكسون يا ابنتي ... فقد اتوا وبأيديهم الانجيل وبأيدينا الارض ، فقالوا - هيا بنا الى الصلاة!
اغمضنا اعيننا ، ثم تفاجأنا بأنهم يمتلكون الارض والانجيل!!! خخخ *
مريم: انه القدر ايتها النخلة ، انه القدر لا الرجال!
النخلة: القدر محتم ، والاحتضار طبيعي!
... فلا تخافي ولا تحزني!
احتضرت مريم اثناء الولادة ، فخرج الطفل مندفعا من بطن امه بأتجاه النخلة!
استغربت النخلة فقالت: المعتاد ان البشر يبكون ، لا شك انه فتى معدوم حتى من البكاء واللغة والهوية!
هجم الطفل معانقا النخلة ...
النخلة: لست امك ايها الشقي!!
دفعها الطفل .. فتوجّعت .. و بعد لحظات سقطت النخلة!!
وسقط القدر في وحل الطبيعة!
في زمن الجوع ، كل الاشياء تسقط ، ابتداءً من الاخلاق وانتهاءً بالامومة!
* Bishop Desmond Tutu
_____________
الفصل الثاني:
ضحك القس بطرس عندما وجد النخلة طريحة ، لكنه سرعان ما انتبه للفتى الصامت!
فقال: امممم ، سآخذك الى الامير ، فأنا لا املك سوى كنيسة يسكنها الجرذان و الفئران الاشقياء!
ثم همس في اذن الطفل كي يجلب له الاطمئنان: لا تقلق يافتى ... لا تقلق ، سنأخذك الى الامير مثل ما اخذنا بقية العبيد الى القصر ،
وسننجح في تنصيرك او ربما نستخدم نظام الاسلمة ، فالامر يعتمد على ديانة الامير ايها الشبل المتعثر في وحل الاديان ...!
وعلى العموم .. تعددت افكارنا يافتى ... وتعددت اساليبنا في تخديرك!!
بعد مسافة طويلة مرورا على اراضي الفلاحين المنكوبة ،
و اسقاطات حضارية في كل حقل من حقول الفلاحين: فكرة تلو فكرة!
وفتيان ، وارامل ، ونخلات طريحة!
التفت القس على الفتى ، ثم قال كلمات مازال صداها يسكن الخراب: حفظ الله لنا ولاة امرنا!
رد الفلاح يهمس همسا لرفاقه: "حفظ الله لنا ولاة امورنا ،
يتبادلون الشرهات
ويقفون على رؤس الاشهاد يمنون علينا بطريق اكله السيل قبل ثلاثة عقود من الزمن!
ولا حرمنا الله سماع الاسطوانة الشهيرة:
(لم يكن هناك مدارس ولا طرقات ولا مستشفيات
ولكن ولاة امرنا بنظرتهم الثاقبة فتحوا مدارس و مستشفيات)
... لن نستسيغ اكل التبن دون ان نسمع هذا الموشح الشجي!"
عاش الفلاحين احرار: لكن هل الحرية تملىء بطون الجائعين؟! *
***
بينما القس بطرس في طريقة الى الامير ، كانوا الجرذان مجتمعين - اجتماع سياسي عاجل!
فقال الجرذ الاول: كلن يصف الفقر بكلمة ، وان ضحكنا شربنا ، وان لم نضحك سخرنا من الساخر ثم شربنا!
فأجابه الجرذ الثاني: انا ابدأ!!
... انا فقير كجرذ تعرض لضريبة باهضة ومن ثم هربت زوجته مع عامل الضرائب!**
اجاب الجرذ الاول: احسنت التوقيت اللعينة !
قال الجرذ الثالث: اراهنكم انها لم تنسى تشليح مؤنتك من الاجبان لهذا العام!
اجاب الجرذ الثاني: بالطبع بالطبع ... فالحياة مسرحية مكررة - كل سيناريوهاتها معروفة!!
صرخ الجرذ الاول: لحظة!! انا اشعر بالجوع كخنزير لا يملك سوى الانتظار ...
سأل الجرذ الثالث: واية انتظار؟؟
اجابة الجرذ الاول: انتظار لحظة قضاء الحاجة ، لانها الاكلة الوحيدة المتوفرة هذه الايام!!!
... شربوا في لحظة سخط وحزن والم: لان الطبقة المتسلطة علمتهم بأن الاحتجاج والاصلاح والتغيير هو استحالة!
فأصبحت مشاكل التخمة ، والادمان ، والعهر - كلها خلل اخلاقي متأصل بالفرد من العامة ، لا علاقة له بفساد السلطة!؟
بينما الجرذان يعلمون الحقيقة احيانا ، ويجوعون لمعرفتها في حين اخر!
فالحقيقة تفتقر للجمال في معظم الاحيان ، لكن اللذة في العثور عليها - كم هو شعور جميل!!***
****
وصل القس بطرس الى الامير ، فتفاجئ الامير الابيض بالطفل الاسود الصامت!
فقال الامير: من هذا ... فلا اكاد ان ارى وجهه في الظلام!
القس: مشكلة يامولانا الامير ، اخشى ان يضيع الطفل في القصر ليلياً !!
الامير: اطمئن ... املك حراس كالكلاب ، سيشمون رائحته المذهلة من بعيد !!
القس: اللهم وحدنا ولا تفتنا ... اللهم اجعلهم كلاب اوفياء!!
الامير: شكرا على دعائك ايها القس الفاضل ، اما الآن فقل لي ... ما اسم الفتى الاسود؟
القس: عسعس !
الامير: هههه ، اسم مناسب للفتى الدميم!
اذهب ايها القس ، وليكن بيننا لقاء في الغد ...!
اختفى القس في ظلمة الليل ، وتخبؤا الجرذان في ثقوب الكنيسة ، وبقي الامير مبتهجا كأله خانه التعبير والتدبير!
... لكن للسلطة في خلقها شؤن!
_______
* عبدالله القرني ،
** مستر بن - بلاك ادر!
***Nadine Gordimer
مريم امرأة حبلى في وسط القارة الافريقية ،
هاجرت من زمن الحرب ، من زمن الخوف ، من زمن العشق ... متجهة الى مملكة العدم!
تتوه في الصحراء بأتجاه نخلة ، تسابق الزمن الى ان اتاها المخاض
وصلت الى النخلة فهزتها بعنف:
مريم: آه ... يا الله !
النخلة: ربنا ياحبيبتي اكثر وسامة منا ، والتعامل مع الطبيعة بعنف لايجدي نفعا!
مريم: اريد ماء ، اريد رطبا ... اريد ماااااء!!
النخلة: انتهى موسم الرطب ياعزيزتي ، والماء بأغسطس هو حلم الادباء بالاتوبيا: الحلم المستحيل!
مريم: يا الله ... لا تدعني احتضر!!
النخلة: الاباء في افريقيا مشاكسون يا ابنتي ... فقد اتوا وبأيديهم الانجيل وبأيدينا الارض ، فقالوا - هيا بنا الى الصلاة!
اغمضنا اعيننا ، ثم تفاجأنا بأنهم يمتلكون الارض والانجيل!!! خخخ *
مريم: انه القدر ايتها النخلة ، انه القدر لا الرجال!
النخلة: القدر محتم ، والاحتضار طبيعي!
... فلا تخافي ولا تحزني!
احتضرت مريم اثناء الولادة ، فخرج الطفل مندفعا من بطن امه بأتجاه النخلة!
استغربت النخلة فقالت: المعتاد ان البشر يبكون ، لا شك انه فتى معدوم حتى من البكاء واللغة والهوية!
هجم الطفل معانقا النخلة ...
النخلة: لست امك ايها الشقي!!
دفعها الطفل .. فتوجّعت .. و بعد لحظات سقطت النخلة!!
وسقط القدر في وحل الطبيعة!
في زمن الجوع ، كل الاشياء تسقط ، ابتداءً من الاخلاق وانتهاءً بالامومة!
* Bishop Desmond Tutu
_____________
الفصل الثاني:
ضحك القس بطرس عندما وجد النخلة طريحة ، لكنه سرعان ما انتبه للفتى الصامت!
فقال: امممم ، سآخذك الى الامير ، فأنا لا املك سوى كنيسة يسكنها الجرذان و الفئران الاشقياء!
ثم همس في اذن الطفل كي يجلب له الاطمئنان: لا تقلق يافتى ... لا تقلق ، سنأخذك الى الامير مثل ما اخذنا بقية العبيد الى القصر ،
وسننجح في تنصيرك او ربما نستخدم نظام الاسلمة ، فالامر يعتمد على ديانة الامير ايها الشبل المتعثر في وحل الاديان ...!
وعلى العموم .. تعددت افكارنا يافتى ... وتعددت اساليبنا في تخديرك!!
بعد مسافة طويلة مرورا على اراضي الفلاحين المنكوبة ،
و اسقاطات حضارية في كل حقل من حقول الفلاحين: فكرة تلو فكرة!
وفتيان ، وارامل ، ونخلات طريحة!
التفت القس على الفتى ، ثم قال كلمات مازال صداها يسكن الخراب: حفظ الله لنا ولاة امرنا!
رد الفلاح يهمس همسا لرفاقه: "حفظ الله لنا ولاة امورنا ،
يتبادلون الشرهات
ويقفون على رؤس الاشهاد يمنون علينا بطريق اكله السيل قبل ثلاثة عقود من الزمن!
ولا حرمنا الله سماع الاسطوانة الشهيرة:
(لم يكن هناك مدارس ولا طرقات ولا مستشفيات
ولكن ولاة امرنا بنظرتهم الثاقبة فتحوا مدارس و مستشفيات)
... لن نستسيغ اكل التبن دون ان نسمع هذا الموشح الشجي!"
عاش الفلاحين احرار: لكن هل الحرية تملىء بطون الجائعين؟! *
***
بينما القس بطرس في طريقة الى الامير ، كانوا الجرذان مجتمعين - اجتماع سياسي عاجل!
فقال الجرذ الاول: كلن يصف الفقر بكلمة ، وان ضحكنا شربنا ، وان لم نضحك سخرنا من الساخر ثم شربنا!
فأجابه الجرذ الثاني: انا ابدأ!!
... انا فقير كجرذ تعرض لضريبة باهضة ومن ثم هربت زوجته مع عامل الضرائب!**
اجاب الجرذ الاول: احسنت التوقيت اللعينة !
قال الجرذ الثالث: اراهنكم انها لم تنسى تشليح مؤنتك من الاجبان لهذا العام!
اجاب الجرذ الثاني: بالطبع بالطبع ... فالحياة مسرحية مكررة - كل سيناريوهاتها معروفة!!
صرخ الجرذ الاول: لحظة!! انا اشعر بالجوع كخنزير لا يملك سوى الانتظار ...
سأل الجرذ الثالث: واية انتظار؟؟
اجابة الجرذ الاول: انتظار لحظة قضاء الحاجة ، لانها الاكلة الوحيدة المتوفرة هذه الايام!!!
... شربوا في لحظة سخط وحزن والم: لان الطبقة المتسلطة علمتهم بأن الاحتجاج والاصلاح والتغيير هو استحالة!
فأصبحت مشاكل التخمة ، والادمان ، والعهر - كلها خلل اخلاقي متأصل بالفرد من العامة ، لا علاقة له بفساد السلطة!؟
بينما الجرذان يعلمون الحقيقة احيانا ، ويجوعون لمعرفتها في حين اخر!
فالحقيقة تفتقر للجمال في معظم الاحيان ، لكن اللذة في العثور عليها - كم هو شعور جميل!!***
****
وصل القس بطرس الى الامير ، فتفاجئ الامير الابيض بالطفل الاسود الصامت!
فقال الامير: من هذا ... فلا اكاد ان ارى وجهه في الظلام!
القس: مشكلة يامولانا الامير ، اخشى ان يضيع الطفل في القصر ليلياً !!
الامير: اطمئن ... املك حراس كالكلاب ، سيشمون رائحته المذهلة من بعيد !!
القس: اللهم وحدنا ولا تفتنا ... اللهم اجعلهم كلاب اوفياء!!
الامير: شكرا على دعائك ايها القس الفاضل ، اما الآن فقل لي ... ما اسم الفتى الاسود؟
القس: عسعس !
الامير: هههه ، اسم مناسب للفتى الدميم!
اذهب ايها القس ، وليكن بيننا لقاء في الغد ...!
اختفى القس في ظلمة الليل ، وتخبؤا الجرذان في ثقوب الكنيسة ، وبقي الامير مبتهجا كأله خانه التعبير والتدبير!
... لكن للسلطة في خلقها شؤن!
_______
* عبدالله القرني ،
** مستر بن - بلاك ادر!
***Nadine Gordimer
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق