السبت، 22 أكتوبر 2011

المسألة الطائفيّة


أن السجون السياسية المؤبدة من دون محاكمة اصبحت متكررة في الآونة الاخيرة ، و عانى منها الشعب السعودي عامة ، و الطائفة الشيعة خصوصاً. و بدأت الدولة تروّج شائعاتها المعهودة مثل اتهامهم على وسائل الاعلام بأنهم "ينتمون الى دولة خارجية" ، و لكن كما اسلفنا في مقالات سابقة ، أن الدولة التي تمتلك وسائل الانتاج هي ايضا تمتلك وسائل الاعلام و تمتلك الجامعات و تمتلك المؤسسات و تمتلك الاجهزة الامنيّة و تمتلك القضاء و القانون الجنائي ، و تحاول الدولة ان تهيمن على الوعي العام الذي يتناقض مع التجربة الحقيقية لدى الطبقة الكادحة التي ذاقت الذلّ و الهوان. لكن يجب علينا ان نرد على هذه الشائعات و الاكاذيب ، حيث لا يمكننا ان نصف طائفة بأكملها بالعمالة لدى دولة اجنبيّة ، فالاحياء الفقيرة في القطيف و الاحساء لا تتلقى دعماً لا من الدولة الايرانية و لا من الدولة السعوديّة. بل ان هذا النظام هو سبباً رئيسياً في الفقر و الهلاك و الظلم و الاضطهاد للملايين من ابناء الطبقة الكادحة على مختلف انتمائاتها و طوائفها. فعندما نتحدث عن الشيعة نحن لا نتحدّث عن شيئاً واحداً ، فالخداع و الكذب الحكومي يحتاج الى النقد و المواجهة. فليس كل الشيعة مضطهدين ، انما الغالبية من الشيعة هم مضطهدين و مستغلين لدى الاقليّة المستحوذة على الثروات و الموارد. انا هنا اعني الفقراء و العمال و الموظفين – عبيد الاجور ، المستغلين من قرب منابع النفط ، و مع ذلك .. نحن الاغلبيّة نعيش في حالة غير صالحة للمعيشة ، بينما الاقليّة تتحكّم بموارد البلاد و ثرواته. اما الشيعة البرجوازيين و الارستقراطيين الذين يملكون امتيازات و علاقات خاصة مع العائلة المالكة .. هؤلاء لا يخدمون حركة التحرر بل انهم يساهمون في تأجيل الثورة و الاستفادة من الاجور الرخيصة لدى ابناء طائفتهم ، و ايضاً يسيسون العلماء لخدمة مصالحهم التي تتناقض مع مصالح الكادحين في الثورة على نُظمْ الاستغلال و اليّات الاستبداد. أن العنصرية سواء كانت ضد الطائفة او ضد الجنس الآخر او ضد العرق المختلف ، هي من نتاج هذا النظام الرأسمالي الذي يفرّق العمّال و الموظفين و يختلق خرافات نمطيّة لدى كل فئة من العمّال لتشتيت أي جهود نحو الاتحاد و العمل المباشر لمواجهة الطبقة التي تستغلهم و تضطهدهم – لذا يتم اختلاق صراعا ضاريا بين الطائفة السنيّة و الشيعية – بينما في الحقيقة لا يوجد علاقة استغلالية بين الفقراء السنة للفقراء الشيعة ، انما العلاقة الاستغلالية المستبدّة هي بين الطبقة الحاكمة و بين الطبقة الكادحة بمختلف طوائفها. و هذا ما يجعل العمّال الشيعة في منافسة دائمة مع اخوانهم السنة – و ايضا منافسة فيما بينهم: للحصول على الاسكان و الحصول على العمل و الحصول ايضا على الرعاية الصحيّة و التعليم و الاحتياجات الاساسية، و لن نتمكّن من الخروج من هذه الفوضى المادية و الاجتماعية الا بأتحاد ابناء الطبقة الكادحة سنة و شيعة و عرب و اجانب لمواجهة هذا النظام الفاسد. و هذا ليس امراً مستحيلا كما يبدوا في ظاهره ، و ليس ابتكاراً جديداً غريبا على التاريخ ، انما نحن نستند على تجربة تاريخية من ذاكرة الصراع من اجل الحرية الحقيقية و لا نحاول ان نختلق حلولا غريبة على الطبقة الكادحة ، بل نحاول ان نتعلّم من تجربة الكادحين في مواجهة النظام عبر التاريخ و نستفيد من هذه التجربة في التعاطي مع الواقع و المستقبل. أن تجربة المناضل ناصر السعيد و رفاقه السنة و الشيعة و الفلسطينيين و الاجانب على مختلف انتمائاتهم هي تجربة تاريخية فريدة ، و لها دلالات واضحة ، حيث ان تجربة اضرابات و احتجاجات حقبة الاربعينات و الخمسينات تبرهن بكل وضوح ان بأمكان الكادحين و العمّال ان يحصلوا على حقوقهم عبر الحركة الجماهيرية ، لأن بأمكان الاجهزة الامنيّة ان تعتقل أي شخص معارض لكن لن تستطيع اعتقال مئات الالاف المنظّمين عبر الحركة العمّالية. و تعلّمنا ايضاً .. ان التكاتف بين ابناء الطوائف المختلفة ليس امراً غريباً ، بل هو امراً مهماً ، بعكس الخرافات و الاكاذيب التي تبثّها السلطة بخصوص الخلافات العقائدية التي تفرّقنا عن الهدف الرئيسي. أن الاشكاليّة الطائفيّة ليست أشكالية دينية ، بل هي أشكالية اجتماعية و سياسية لن تنتهي الا مع انهاء هذه الدولة الطائفية و استبدالها بدولة لا تقوم على اساس طائفي و لا على اساس طبقي ، بل دولة تمثّل ديمقراطية الكادحين – فيها يتم اتخاذ القرارات بشكل جماعي و ليس عن طريق ترشيح اشخاص لا يمثّلون الكادحين كما هو الحال في الانتخابات الغربية ، و ليس ايضاً عن طريق مجالس معدومة الصلاحيّات مثل المجلس البلدي و مجلس الشورى في السعودية. و لكن هذا لا يعني أننا لا نطالب بالحريّة الدينيّة في ان يمارس كل اصحاب الطوائف و الاديان المختلفة عباداتهم و طقوسهم الدينية. و ايضاً لهم الاحقيّة في ان يُسمح لهم بالمجالس و الندوات الدينيّة من دون تصاريح تعجيزيّة او مراقبة صارمة من قبل الاجهزة الامنيّة ، و ايضاً من حقّ الشيعة ان تبنى لهم الدولة مساجد و حسينيّات كما تتولى الدولة بناء المساجد السنيّة ، لأنهم جزء من هذا المجتمع ، فنحن نؤمن بأن الطائفيّة ليست مجرد أزمة تعايش بين الطوائف المختلفة ، بل هي نتاج الدولة الطائفيّة التي تتحمّل المسؤلية خلف هذه الازمة الاجتماعية لأنها هي المسؤلة عن القانون الطائفي و هي المسؤلة عن الاعلام الطائفي و هي ايضا مسؤلة عن الاجهزة الامنية التي تعتقل المواطنين و تحقق معهم و تمنعهم من السفر على اساس طائفي ، لذلك .. أن التخلّص من الطائفيّة لن يتم الا بالتخلص من النظام الذي ينتج الطائفية و ينتج معها الفقر و الظلم و الاضطهاد.
ان التجربة الثورية الشيعية هي تجربة مهمة جدا ، فأن الخروج الى الشارع و مواجهة رجال الشرطة الذين يعتقلون الآمنين من المواطنين على مختلف طوائفهم ، هو امر في غاية الأهمية .. وهو الحلّ الوحيد للخروج من هذه الفوضى الامنية و التي توهمنا الدولة بأنها تحاول ان تحقق الامن و السلام للمواطنين .. ولكن الحقيقة هي ان الاجهزة الامنية و المؤسسات الحكومية ليست حياديّة ، بل تم تأسيسها للحفاظ على الطبقة الحاكمة و عندما يحتدّ التناقض في المصالح بين الطبقة الكادحة و الطبقة الحاكمة يحتدّ الصراع و يبدوا دور هذه المؤسسات واضح للعيان في كونها مؤسسات متحيّزة في اداء دورها و هو الحفاظ على الطبقة الحاكمة على حساب الفقراء و الكادحين. لذا لم نرى من قبل استخدام الاسلحة الثقيلة الا ضد المواطنين الابرياء و هذه الاسلحة هي التي كلّفت الدولة مئات المليارات من ثروات و موارد هذا الشعب العظيم.  
هذا الصراع لا يمكن تقليصه الى مجرد صراع طائفي ، بل هو صراع طبقي بين الكادحين و المهمّشين و المضطهدين و بين من يسبب لهم الظلم و الاستغلال و الاضطهاد. و علينا ان نتعلّم من التجربة الشيعية الثورية و خصوصا في حركة المنسيين ، التي استطاعات ان تتخطّى كل العوائق الطائفية و الاحتجاج و المطالبة بأطلاق سراح السنّة و الشيعة المنسيين في السجون السياسية. يجب ان تتوسّع الحركة الحقوقيّة في المنطقة الشرقية و تنتشر من القطيف الى الاحساء و الى الرياض و الى الحجاز و الى الشمال و الجنوب و كلّ مكان ، لأن اختزال الاحتجاجات في القطيف قد يؤدي الى كارثة انسانية و نهاية للمسيرة الحقوقية في السعودية ، اما اذا توسّع الحراك الثوري الى كل مناطق المملكة فهذا سيعطينا فرصة اقوى للأنتصار ، و سيعطي الكادحين الفرصة لتحسين اوضاعهم و المطالبة بحقوقهم المادية و الاجتماعية و السياسية.
     
أننا نكتشف اكاذيب و الحكومة و اباطيلها في كل يوم و في كل حدث ، حيث يتم اعتقال اقرباء الابطال المناضلين في العوامية الذين يُعتقلون من دون وجه حق حتى يتم تسليم المطلوبين ، و هذا ابتزاز للمواطنين الشرفاء الذين يطالبون بحقوقهم و يطالبون بأطلاق سراح اخوانهم و رفاقهم، و هنا يتضّح لنا دور الاجهزة الامنيّة في حماية الطبقة الحاكمة. لذا على كل العمال و الموظفين ان يتضامنوا مع ابطال القطيف و العوامية ضد ديكتاتورية النظام ، و هنا يجب ان يشارك العمال في دعم الاحتجاجات عن طريق الاضراب عن العمل ، لأن العمل هو مصر الثروة ، فعندما يتوقف العامل عن العمل يتوقف الانتاج و تصبح الاجهزة الحكومية و الطبقة البرجوازية غير قادرة على الاستمرار في استغلالنا الا اذا تم تلبية مطالبنا و حصلنا على حقوقنا. و مع ذلك ، لا يكفي ان نضرب عن العمل ، بل يجب دعم الاحتجاجات و التضامن مع المتظاهرين في المنطقة الشرقية و مواجهة النظام بطريقة مباشرة و هذا يضعنا امام اهمية التنظيم. لان الحكومة منظمّة بمؤسساتها الاكاديمية و اجهزتها الامنية و اعلامها الحكومي المجهّز بالعقول و الامكانيات و العتاد الكافي للحفاظ على نظام الحكم ، لذا .. فأن على الحركة الثورية في القطيف و العوامية ان تواجه الدولة بطريقة منظمّة و ليس عن طريق اعتراضات فردية او عشوائية ، بل عن طريق تنظيمات تعمم التجربة النضالية لدى المضطهدين ، و يحافظ التنظيم على ذاكرة المناضلين و يتحدى الاعلام الحكومي بكل اكاذيبه و يدعون الى تحركات جدية ضد النظام الذي يضطهد المرأة و الشيعة و الفقراء و العمال ، لن تستطيع ان تتخلص من هذه الاغلال الا عبر التنظيم و الحركة الجماهيرية.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق